أحمد بك شوقي 1868-1932 الملقب بأمير الشعراء هو أحمد شوقي علي أحمد شوقي شاعر وكاتب مصري يعد أحد أعظم شعراء اللغة العربية في العصر الحديث
![]() |
الشاعر احمد شوقي |
مضناك جفاه مرقده
مضناك جفاه مرقده *** وبكاه ورحم عوده
حيران القلب معذبه *** مقروح الجفن مسهده
أودى حرفا إلا رمقا *** يبقيه عليك وتنفده
يستهوي الورق تأوهه *** ويذيب الصخر تنهده
ويناجي النجم ويتعبه *** ويقيم الليل ويقعده
ويعلم كل مطوقة *** شجنا في الدوح تردده
كم مد لطيفك من شرك *** وتأدب لا يتصيده
فعساك بغمض مسعفه *** ولعل خيالك مسعده
الحسن حلفت بيوسفه *** والسورة إنك مفرده
قد ود جمالك أو قبسا *** حوراء الخلد وأمرده
وتمنت كل مقطعة *** يدها لو تبعث تشهده
جحدت عيناك زكي دمي *** أكذلك خدك يجحده؟
قد عز شهودي إذ رمتا *** فأشرت لخدك أشهده
وهممت بجيدك أشركه *** فأبى , واستكبر أصيده
وهززت قوامك أعطفه *** فنبا, وتمنع أملده
سبب لرضاك أمهده *** ما بال الخصر يعقده؟
بيني في الحب وبينك ما *** لا يقدر واش يفسده
ما بال العاذل يفتح لي *** باب السلوان وأوصده؟
ويقول : تكاد تجن به *** فأقول: وأوشك أعبده
مولاي وروحي في يده *** قد ضيعها سلمت يده
ناقوس القلب يدق له *** وحنايا الأضلع معبده
قسما بثنايا لؤلئها *** قسم الياقوت منضده
ورضاب يوعد كوثره *** مقتول العشق ومشهده
وبخال كاد يحج له *** لو كان يقبل أسوده
وقوام يروي الغصن له *** نسبا, والرمح يفنده
وبخصر أوهن من جلدي *** وعوادي الهجر تبدده
ما خنت هواك , ولا خطرت *** سلوى بالقلب تبرده
يا جارة الوادي
شيعـت أحـلامـي بقلـب بـاك *** ولمحت من طرق المـلاح شباكـي
ورجـعـت أدراج الشبـاب وورده *** أمشي مكانهمـا علـى الأشـواك
وبجـانبـي واه كـأن خفـوقـه *** لمـا تلفـت جهشـة المتبـاكـي
شاكي السلاح إذا خـلا بضلوعـه *** فإذا أهيـب بـه فليـس بـشـاك
قد راعـه أنـي طويـت حبائلـي *** من بعـد طـول تنـاول وفكـاك
ويح ابن جنبـي ؟ كل غايـة لـذة *** بعـد الشبـاب عـزيـزة الإدراك
لـم تبـق منا , يا فـؤاد , بقيـة *** لـفـتـوة , أو فضلـة لـعـراك
كنا إذا صفقـت نستبـق الـهوى *** ونشـد شـد العصبـة الـفتـاك
واليوم تبعـث فـي حيـن تهزنـي *** مـا يبعـث الناقـوس في النسـاك
****
يا جارة الوادي , طربـت وعادنـي *** ما يشبـه الأحـلام مـن ذكـراك
مثلت في الذكرى هواك وفي الكرى *** والذكريات صدى السنين الحاكـي
ولقد مررت على الريـاض بربـوة *** غـنـاء كنـت حيالهـا ألقـاك
ضحكت إلـي وجوهها وعيونهـا *** ووجـدت فـي أنفاسهـا ريـاك
فذهبت في الأيـام أذكـر رفرفـا *** بيـن الجـداول والعيـون حـواك
أذكرت هرولة الصبابـة والـهوى *** لـما خطـرت يقبـلان خطـاك ؟
لم أدر ما طيب العناق على الـهوى *** حتـى ترفـق ساعـدي فطـواك
وتأودت أعطـاف بانك في يـدي *** واحـمر مـن خفريهمـا خـداك
ودخلت في ليلين: فرعك والدجـى *** ولثمـت كالصبـح المنـور فـاك
ووجدت في كنه الجوانـح نشـوة *** من طيب فيك , ومن سلاف لمـاك
وتعطلت لغـة الكـلام وخاطبـت *** عينـي في لغـة الـهوى عينـاك
ومحوت كل لبانـة من خاطـري *** ونسيـت كل تعاتـب وتشاكـي
لا أمس من عمر الزمـان ولا غـد *** جمع الزمان فكـان يـوم رضـاك
***
لبنان , ردتنـي إليك مـن النـوى *** أقـدار سـيـر للـحـيـاة دراك
جمعت نزيلي ظهرهـا مـن فرقـة *** كـرة وراء صـوالـج الأفــلاك
نـمشي عليها فوق كـل فجـاءة *** كالطير فـوق مكامـن الأشـراك
ولو أن بالشوق الـمزار وجدتنـي *** ملقي الرحال على ثـراك الذاكـي
***
بنـت البقـاع وأم بـر دونـيـها *** طيبي كجلـق , واسكنـي بـرداك
ودمشق جنـات النعيـم ،وإنـما *** ألفيـت سـدة عـدنهـن ربـاك
قسما لو انتمت الـجداول والربـا *** لتهلـل الفـردوس , ثـم نمـاك
مـرآك مـرآه وعينـك عيـنـه *** لـم يا زحيلـة لا يكـون أبـاك ؟
تلـك الكـروم بقيـة مـن بابـل *** هيهـات! نسـى البابلـي جنـاك
تبدي كوشي الفرس أفتـن صبغـة *** للناظـريـن إلـى ألـذ حـيـاك
خرزات مسك , أو عقود الكهربـا *** أودعـن كافـورا مـن الأسـلاك
فكرت في لبـن الجنـان وخمرهـا *** لـما رأيت الـماء مـس طـلاك
لـم أنس من هبة الزمـان عشيـة *** سلفت بظلـك وانقضـت بـذراك
كنت العروس على منصة جنحـها *** لبنان في الوشـي الكريـم جـلاك
يـمشي إليك اللحظ في الديباج أو *** في العاج من أي الشعـاب أتـاك
ضمـت ذراعيـها الطبيعـة رقـة *** صنيـن والحـرمـون فاحتضنـاك
والبـدر في ثبـج السمـاء منـور *** سالت حلاه على الثـرى وحـلاك
والنيـرات مـن السحـاب مطلـة *** كالغيـد من ستـر ومـن شبـاك
وكأن كـل ذؤابـة مـن شاهـق ** ركن الـمجرة أو جـدار سمـاك
***
سكنت نواحـي الليـل , إلا أنـة *** في الأيك, أو وتر اشجـي حـراك
شرفا , عروس الأرز , كل خريـدة *** تـحت السماء من البـلاد فـداك
ركـز البيـان علـى ذراك لـواءه *** ومشى ملـوك الشعـر في مغنـاك
أدباؤك الزهر الشمـوس , ولا أرى *** أرضا تمخض بالشمـوس سـواك
من كـل أروع علمـه في شعـره *** ويراعـه مـن خلقـه بـمـلاك
جمع القصائـد من ربـاك , وربمـا *** سرق الشمائل مـن نسيـم صبـاك
موسى ببابك في الـمكارم والعـلا *** وعصاه في سحـر البيـان عصـاك
أحللت شعري منك في عليا الـذرا *** وجمـعـتـه بـروايـة الأمـلاك
إن تكرمي يا زحل شعـري إننـي *** أنكـرت كـل قـصـيـدة إلاك
أنت الخيـال : بديعـه , وغريبـه *** الله صـاغـك , والـزمـان رواك
برز الثعلب يوما
برز الثعلب يوما *** في شعار الواعظينا
فمشى في الأرض يهذي *** ويسب الماكرينا
ويقول : الحمد للـ ـه إله العالمينا
يا عباد الله, توبوا *** فهو كهف التائبينا
وازهدوا في الطير, إن الـ ـعيش عيش الزاهدينا
واطلبوا الديك يؤذن *** لصلاة الصبح فينا
فأتى الديك رسول *** من إمام الناسكينا
عرض الأمر عليه *** وهو يرجو أن يلينا
فأجاب الديك : عذرا *** يا أضل المهتدينا !
بلغ الثعلب عني *** عن جدودي الصالحينا
عن ذوي التيجان ممن *** دخل البطن اللعينا
أنهم قالوا وخير الـ ـقول قول العارفينا:
" مخطي من ظن يوما *** أن للثعلب دينا»
اختلاف النهار والليل ينسي
اختلاف النهار والليل ينسي *** اذكرا لي الصبا وأيام أنسي
وصفا لي ملاوة من شباب *** صورت من تصورات ومس
عصفت كالصبا اللعوب ومرت *** سنة حلوة , ولذة خلس
وسلا مصر : هل سلا القلب عنها *** أو أسا جرحه الزمان المؤسي؟
كلما مرت الليالي عليه *** رق , والعهد في الليالي تقسي
مستطار إذا البواخر رنت *** أول الليل, أو عوت بعد جرس
راهب في الضلوع للسفن فطن *** كلما ثرن شاعهن بنقس
يا ابنة اليم , ما أبوك بخيل *** ما له مولعا بمنع وحبس ؟
أحرام على بلابله الدو ح حلال للطير من كل جنس
كل دار أحق بالأهل إلا *** في خبيث من المذاهب رجس
نفسي مرجل وقلبي شراع *** بهما في الدموع سيري وأرسي
واجعلي وجهك الفنار ومجرا *** ك يد الثغر بين رمل ومكس
وطني لو شغلت بالخلد عنه *** نازعتني إليه في الخلد نفسي
وهفا بالفؤاد في سلسبيل *** ظمأ للسواد من عين شمس
شهد الله لم يغب عن جفوني *** شخصه ساعة ولم يخل حسي
يصبح الفكر والمسلة نادي ه وبالسرحة الزكية يمسي
وكأني أرى الجزيرة أيكا *** نغمت طيره بأرخم جرس
هي بلقيس في الخمائل صرح *** من عباب وصاحب غير نكس
حسبها أن تكون للنيل عرسا *** قبلها لم يجن يوما بعرس
لبست بالأصيل حلة وشي *** بين صنعاء في الثياب وقس
قدها النيل فاستحت فتوارت *** منه بالجسر بين عري ولبس
وأرى النيل كالعقيق بوادي *** ه وإن كان كوثر المتحسي
ابن ماء السماء ذو الموكب الفخم *** الذي يحسر العيون ويخسي
لا ترى في ركابه غير مثن *** بخميل وشاكر فضل عرس
وأرى الجيزة الحزينة ثكلى *** لم تفق بعد من مناحة رمسي
أكثرت ضجة السواقي عليه *** وسؤال اليراع عنه بهمس
وقيام النخيل ضفرن شعرا *** وتجردن غير طوق وسلس
وكأن الأهرام ميزان فرعو *** ن بيوم على الجبابر نحس
أو قناطيره تأنق فيها *** ألف جاب وألف صاحب مكس
روعة في الضحى ملاعب جن *** حين يغشى الدجى حماها ويغسي
ورهين الرمال أفطس إلا *** أنه صنع جنة غير فطس
تتجلى حقيقة الناس فيه *** سبع الخلق في أسارير إنسي
لعب الدهر في ثراه صبيا *** والليالي كواعبا غير عنس
ركبت صيد المقادير عينيه *** لنقد ومخلبيه لفرس
فأصابت به الممالك كسرى *** وهرقلا والعبقري الفرنسي
يا فؤادي لكل أمر قرار *** فيه يبدو وينجلي بعد لبس
عقلت لجة الأمور عقولا *** طالت الحوت طول سبح وغس
غرقت حيث لا يصاح بطاف *** أو غريق ولا يصاخ لحس
فلك يكسف الشموس نهارا *** ويسوم البدور ليلة وكس
ومواقيت للأمور إذا ما *** بلغتها الأمور صارت لعكس
دول كالرجال مرتهنات *** بقيام من الجدود وتعس
وليال من كل ذات سوار *** لطمت كل رب روم وفرس
سددت بالهلال قوسا وسلت *** خنجرا ينفذان من كل ترس
حكمت في القرون خوفو ودارا *** وعفت وائلا وألوت بعبس
أين مروان في المشارق عرش *** أموي وفي المغارب كرسي
سقمت شمسهم فرد عليها *** نورها كل ثاقب الرأي نطس
ثم غابت وكل شمس سوى هاتي *** ك تبلى وتنطوي تحت رمس
وعظ البحتري إيوان كسرى *** وشفتني القصور من عبد شمس
رب ليل سريت والبرق طرفي *** وبساط طويت والريح عنسي
أنظم الشرق في الجزيرة بالغر *** ب وأطوي البلاد حزنا لدهس
في ديار من الخلائف درس *** ومنار من الطوائف طمس
وربى كالجنان في كنف الزيتو *** ن خضر وفي ذرا الكرم طلس
لم يرعني سوى ثرى قرطبي *** لمست فيه عبرة الدهر خمسي
يا وقى الله ما أصبح منه *** وسقى صفوة الحيا ما أمسي
قرية لا تعد في الأرض كانت *** تمسك الأرض أن تميد وترسي
غشيت ساحل المحيط وغطت *** لجة الروم من شراع وقلس
ركب الدهر خاطري في ثراها *** فأتى ذلك الحمى بعد حدس
فتجلت لي القصور ومن في *** ها من العز في منازل قعس
ما ضفت قط في الملوك على نذ *** ل المعالي ولا تردت بنجس
وكأني بلغت للعلم بيتا *** فيه ما للعقول من كل درس
قدسا في البلاد شرقا وغربا *** حجه القوم من فقيه وقس
وعلى الجمعة الجلالة والنا *** صر نور الخميس تحت الدرفس
ينزل التاج عن مفارق دون *** ويحلى به جبين البرنس
سنة من كرى وطيف أمان *** وصحا القلب من ضلال وهجس
وإذا الدار ما بها من أنيس *** وإذا القوم ما لهم من محس
ورقيق من البيوت عتيق *** جاوز الألف غير مذموم حرس
أثر من محمد وتراث *** صار للروح ذي الولاء الأمس
بلغ النجم ذروة وتناهى *** بين ثهلان في الأساس وقدس
مرمر تسبح النواظر فيه *** ويطول المدى عليها فترسي
وسوار كأنها في استواء *** ألفات الوزير في عرض طرس
فترة الدهر قد كست سطريها *** ما اكتسى الهدب من فتور ونعس
ويحها كم تزينت لعليم *** واحد الدهر واستعدت لخمس
وكأن الرفيف في مسرح العي *** ن ملاء مدنرات الدمقس
وكأن الآيات في جانبيه *** يتنزلن في معارج قدس
منبر تحت منذر من جلال *** لم يزل يكتسيه أو تحت قس
ومكان الكتاب يغريك ريا *** ورده غائبا فتدنو للمس
صنعة الداخل المبارك في الغر *** ب وآل له ميامين شمس
من لحمراء جللت بغبار ال *** دهر كالجرح بين برء ونكس
كسنا البرق لو محا الضوء لحظا *** لمحتها العيون من طول قبس
حصن غرناطة ودار بني الأح *** مر من غافل ويقظان ندس
جلل الثلج دونها رأس شيرى *** فبدا منه في عصائب برس
سرمد شيبه ولم أر شيبا *** قبله يرجى البقاء وينسي
مشت الحادثات في غرف الحم *** راء مشي النعي في دار عرس
هتكت عزة الحجاب وفضت *** سدة الباب من سمير وأنس
عرصات تخلت الخيل عنها *** واستراحت من احتراس وعس
ومغان على الليالي وضاء *** لم تجد للعشي تكرار مس
لا ترى غير وافدين على التا *** ريخ ساعين في خشوع ونكس
نقلوا الطرف في نضارة آس *** من نقوش وفي عصارة ورس
وقباب من لازورد وتبر *** كالربى الشم بين ظل وشمس
وخطوط تكفلت للمعاني *** ولألفاظها بأزين لبس
وترى مجلس السباع خلاء *** مقفر القاع من ظباء وخنس
لا الثريا ولا جواري الثريا *** يتنزلن فيه أقمار إنس
مرمر قامت الأسود عليه *** كلة الظفر لينات المجس
تنثر الماء في الحياض جمانا *** يتنزى على ترائب ملس
آخر العهد بالجزيرة كانت *** بعد عرك من الزمان وضرس
فتراها تقول راية جيش *** باد بالأمس بين أسر وحس
ومفاتيحها مقاليد ملك *** باعها الوارث المضيع ببخس
خرج القوم في كتائب صم *** عن حفاظ كموكب الدفن خرس
ركبوا بالبحار نعشا وكانت *** تحت آبائهم هي العرش أمس
رب بان لهادم وجموع *** لمشت ومحسن لمخس
إمرة الناس همة لا تأنى *** لجبان ولا تسنى لجبس
وإذا ما أصاب بنيان قوم *** وهي خلق فإنه وهي أس
يا ديارا نزلت كالخلد ظلا *** وجنى دانيا وسلسال أنس
محسنات الفصول لا ناجر في *** ها بقيظ ولا جمادى بقرس
لا تحش العيون فوق رباها *** غير حور حو المراشف لعس
كسيت أفرخي بظلك ريشا *** وربا في رباك واشتد غرسي
هم بنو مصر لا الجميل لديهم *** بمضاع ولا الصنيع بمنسي
من لسان على ثنائك وقف *** وجنان على ولائك حبس
حسبهم هذه الطلول عظات *** من جديد على الدهور ودرس
وإذا فاتك التفات إلى الما *** ضي فقد غاب عنك وجه التأسي
دمشق
سلام من صبا بردى أرق *** ودمع لا يكفكف يا دمشق
ومعذرة اليراعة والقوافي *** جلال الرزء عن وصف يدق
وذكرى عن خواطرها لقلبي *** إليك تلفت أبدا وخفق
وبي مما رمتك به الليالي *** جراحات لها في القلب عمق
دخلتك والأصيل له ائتلاق *** ووجهك ضاحك القسمات طلق
وتحت جنانك الأنهار تجري *** وملء رباك أوراق وورق
وحولي فتية غر صباح *** لهم في الفضل غايات وسبق
على لهواتهم شعراء لسن *** وفي أعطافهم خطباء شدق
رواة قصائدي فاعجب لشعر *** بكل محلة يرويه خلق
غمزت إباءهم حتى تلظت *** أنوف الأسد واضطرم المدق
وضج من الشكيمة كل حر *** أبي من أمية فيه عتق
لحاها الله أنباء توالت *** على سمع الولي بما يشق
يفصلها إلى الدنيا بريد *** ويجملها إلى الآفاق برق
تكاد لروعة الأحداث فيها *** تخال من الخرافة وهي صدق
وقيل معالم التاريخ دكت *** وقيل أصابها تلف وحرق
ألست دمشق للإسلام ظئرا *** ومرضعة الأبوة لا تعق
صلاح الدين تاجك لم يجمل *** ولم يوسم بأزين منه فرق
وكل حضارة في الأرض طالت *** لها من سرحك العلوي عرق
سماؤك من حلى الماضي كتاب *** وأرضك من حلى التاريخ رق
بنيت الدولة الكبرى وملكا *** غبار حضارتيه لا يشق
له بالشام أعلام وعرس *** بشائره بأندلس تدق
رباع الخلد ويحك ما دهاها *** أحق أنها درست أحق
وهل غرف الجنان منضدات *** وهل لنعيمهن كأمس نسق
وأين دمى المقاصر من حجال *** مهتكة وأستار تشق
برزن وفي نواحي الأيك نار *** وخلف الأيك أفراخ تزق
إذا رمن السلامة من طريق *** أتت من دونه للموت طرق
بليل للقذائف والمنايا *** وراء سمائه خطف وصعق
إذا عصف الحديد احمر أفق *** على جنباته واسود أفق
سلي من راع غيدك بعد وهن *** أبين فؤاده والصخر فرق
وللمستعمرين وإن ألانوا *** قلوب كالحجارة لا ترق
رماك بطيشه ورمى فرنسا *** أخو حرب به صلف وحمق
إذاما جاءه طلاب حق *** يقول عصابة خرجوا وشقوا
دم الثوار تعرفه فرنسا *** وتعلم أنه نور وحق
جرى في أرضها فيه حياة *** كمنهل السماء وفيه رزق
بلاد مات فتيتها لتحيا *** وزالوا دون قومهم ليبقوا
وحررت الشعوب على قناها *** فكيف على قناها تسترق
بني سورية اطرحوا الأماني *** وألقوا عنكم الأحلام ألقوا
فمن خدع السياسة أن تغروا *** بألقاب الإمارة وهي رق
وكم صيد بدا لك من ذليل *** كما مالت من المصلوب عنق
فتوق الملك تحدث ثم تمضي *** ولا يمضي لمختلفين فتق
نصحت ونحن مختلفون دارا *** ولكن كلنا في الهم شرق
ويجمعنا إذا اختلفت بلاد *** بيان غير مختلف ونطق
وقفتم بين موت أو حياة *** فإن رمتم نعيم الدهر فاشقوا
وللأوطان في دم كل حر *** يد سلفت ودين مستحق
ومن يسقى ويشرب بالمنايا *** إذا الأحرار لم يسقوا ويسقوا
ولا يبني الممالك كالضحايا *** ولا يدني الحقوق ولا يحق
ففي القتلى لأجيال حياة *** وفي الأسرى فدى لهم وعتق
وللحرية الحمراء باب *** بكل يد مضرجة يدق
جزاكم ذو الجلال بني دمشق *** وعز الشرق أوله دمشق
نصرتم يوم محنته أخاكم *** وكل أخ بنصر أخيه حق
وما كان الدروز قبيل شر *** وإن أخذوا بما لم يستحقوا
ولكن ذادة وقراة ضيف *** كينبوع الصفا خشنوا ورقوا
لهم جبل أشم له شعاف *** موارد في السحاب الجون بلق
لكل لبوءة ولكل شبل *** نضال دون غايته ورشق
كأن من السموأل فيه شيئا *** فكل جهاته شرف وخلق
على قدر الهوى يأتي العتاب
على قدر الهوى يأتي العتاب *** ومن عاتبت يفديه الصحاب
ألوم معذبي , فألوم نفسي *** فأغضبها ويرضيها العذاب
ولو أني استطعت لتبت عنه *** ولكن كيف عن روحي المتاب؟
ولي قلب بأن يهوى يجازى *** ومالكه بأن يجني يثاب
ولو وجد العقاب فعلت, لكن *** نفار الظبي ليس له عقاب
يلوم اللائمون وما رأوه *** وقدما ضاع في الناس الصواب
صحوت, فأنكر السلوان قلبي *** علي, وراجع الطرب الشباب
كأن يد الغرام زمام قلبي *** فليس عليه دون هوى حجاب
كأن رواية الأشواق عود *** على بدء وما كمل الكتاب
كأني والهوى أخوا مدام *** لنا عهد بها, ولنا اصطحاب
إذا ما اغتضت عن عشق يعشق *** أعيد العهد, وامتد الشراب
تلك الطبيعة , قف بنا يا ساري
تلك الطبيعة , قف بنا يا ساري *** حتى أريك بديع صنع الباري
الأرض حولك والسماء اهتزتا *** لروائع الآيات والآثار
من كل ناطقة الجلال, كأنها *** أم الكتاب على لسان القاري
دلت على ملك الملوك فلم تدع *** لأدلة الفقهاء والأحبار
من شك فيه فنظرة في صنعه *** تمحو أثيم الشك والإنكار
كشف الغطاء عن الطرول وأشرقت *** منه الطبيعة غير ذات ستار
شبهتها بلقيس فوق سريرها *** في نضرة ومواكب وجواري
أو (بابن داود) وواسع ملكه *** ومعالم للعز فيه كبار
هوج الرياح خواشع في بابه *** والطير فيه نواكس المنقار
***
قامت على ضاحي الجنان كأنها *** رضوان يزجي الخلد للأبرار
كم في الخمائل وهي بعض إمائها *** من ذات خلخال وذات سوار
وحسيرة عنها الثياب وبضة *** في الناعمات تجر فضل إزار
وضحوك سن تملأ الدنيا سنى *** وغريقة في دمعها المدرار
ووحيدة بالنجد تشكو وحشة *** وكثيرة الأتراب بالأغوار
***
ولقد تمر على الغدير تخاله *** والنبت مرآة زهت بإطار
حلو التسلسل موجه وجريره *** كأنامل مرت على أوتار
مدت سواعد مائه وتألقت *** فيها الجواهر من حصى وجمار
ينساب في مخضلة مبتلة *** منسوجة من سندس ونضار
زهراء عون العاشقين على الهوى *** مختارة الشعراء في آذار
قام الجليد بها وسال كأنه *** دمع الصبابة بل غضن عذار
وترى السماء ضحى وفي جنح الدجى *** منشقة من أنهر وبحار
في كل ناحية سلكت ومذهب *** جبلان من صخر وماء جاري
من كل منهمر الجوانب والذرى *** غمر الحضيض محلل بوقار
عقد الضريب له عمامة فارع *** جم المهابة من شيوخ نزار
ومكذب بالجن ريع لصوتها *** في الماء منحدرا وفي التيار
ملأ الفضاء على المسامع ضجة *** فكأنما ملأ الجهات ضواري
وكأنما طوفان نوح ما نرى *** والفلك قد مسخت حثيث قطار
يجري على مثل الصراط وتارة *** ما بين هاوية وجرف هاري
***
جاب الممالك حزنها وسهولها *** وطوى شعاب الصرب والبلغار
حتى رمى برحالنا ورجائنا *** في ساح مأمول عزيز الجار
ملك بمفرقه إذا استقبلته *** تاجان تاج هدى وتاج فخار
سكن الثريا مستقر جلاله *** ومشت مكارمه إلى الأمصار
فالشرق يسقى ديمة بيمينه *** والغرب تمطره غيوث يسار
ومدائن البرين في إعظامه *** وعوالم البحرين في الإكبار
الله أيده بآساد الشرى *** في صورة المتدجج الجرار
الصاعدين إلى العدو على الظبى *** النازلين على القنا الخطار
المشترين الله بالأبناء وال *** أزواج والأموال والأعمار
القائمين على لواء نبيه *** المنزلين منازل الأنصار
***
يا عرش (قسطنطين) نلت مكانة *** لم تعطها في سالف الأعصار
شرفت بالصديق والفاروق بل *** بالأقرب الأدنى من المختار
حامي الخلافة مجدها وكيانها *** بالرأي آونة وبالبتار
***
تاهت فروق على العواصم وازدهت *** بجلوس أصيد باذخ المقدار
(جم الجلال كأنما كرسيه *** جزء من الكرسي ذي الأنوار)
أخذت على البوسفور زخرفها دجى *** وتلألأت كمنازل الأقمار
فالبدر ينظر من نوافذ منزل *** والشمس ثم مطلة من دار
وكواكب الجوزاء تخطر في الربى *** والنسر مطلعه من الأشجار
واسم الخليفة في الجهات منور *** تبدو السبيل به ويهدي الساري
كتبوه في شرف القصور وطالما *** كتبوه في الأسماع والأبصار
***
يا واحد الإسلام غير مدافع *** أنا في زمانك واحد الأشعار
لي في ثنائك وهو باق خالد *** شعر على الشعرى المنيعة زاري
أخلصت حبي في الإمام ديانة *** وجعلته حتى الممات شعاري
لم ألتمس عرض الحياة وإنما *** أقرضته في الله والمختار
إن الصنيعة لا تكون كريمة *** حتى تقلدها كريم نجار
والحب ليس بصادق ما لم تكن *** حسن التكرم فيه والإيثار
والشعر إنجيل إذا استعملته *** في نشر مكرمة وستر عوار
وثنيت عن كدر الحياض عنانه *** إن الأديب مسامح ومداري
عند العواهل من سياسة دهرهم *** سر وعندك سائر الأسرار
هذا مقام أنت فيه محمد *** أعداء ذاتك فرقة في النار
إن الهلال وأنت وحدك كهفه *** بين المعاقل منك والأسوار
لم يبق غيرك من يقول أصونه *** صنه بحول الواحد القهار
حسامك من سقراط في الخطب أخطب
حسامك من سقراط في الخطب أخطب *** وعودك من عود المنابر اصلب
ملكت سبيليهم: ففي الشرق مضرب *** لجيشك ممدود , وفي الغرب مضرب
وعزمك من هومير أمضى بديهة *** وأجلى بيانا في القلوب , واعذب
وإن يذكروا إسكندرا وفتوحه *** فعهدك بالفتح المحجل أقرب
ثمانون ألفا أسد غاب , ضراغم *** لها مخلب فيهم, وللموت مخلب
إذا حلمت فالشر وسنان حالم *** وإن غضبت فالشر يقظان مغضب
وملكك أرقى بالدليل حكومة *** وأنفذ سهما في الأمور, وأصوب
وتغشى أبيات المعاقل والذرا *** فثيبهن البكر, والبكر ثيب
ظهرت أمير المؤمنين على العدا *** ظهورا يسوء الحاسدين ويتعب
يقود سراياها , ويحمي لواءها *** حوائر, ما يدرين ماذا تخرب؟
سل العصر , والأيام : والناس : هل نبا *** لرأيك فيهم, أو لسيفك مضرب
هم ملأوا الدنيا جهاما, وراءه *** جهام من الأعوان أهذى وأكذب
يجيء بها حينا , ويرجع مرة *** كما تدفع اللج البحار وتجذب
ويرمي بها كالبحر من كل جانب *** فكل خميس لجة تتضرب
فلما استللت السيف أخلب برقهم *** وما كنت - يا برق المنية - تخلب
أخذتهم , لا مالكين لحوضهم *** من الذود إلا ما أطالوا وأسهبوا
وينفذها من كل شعب, فتلتقي *** كما يتلاقى العارض المتشعب
ولم يتكلف قومك الأسد أهبة *** ولكن خلقا في السباع التأهب
ويجعل ميقاتا لها تنبري له *** كما دار يلقى عقرب السير عقرب
كذا الناس : بالأخلاق يبقى صلاحهم *** ويذهب عنهم أمرهم حين يذهب
فظلت عيون الحرب حيرى لما ترى *** نواظر ما تأتي الليوث وتغرب
تبالغ بالرامي, وتزهو بما رمى *** وتعجب بالقواد , والجند أعجب
ومن شرف الأوطان ألا يفوتها *** حسام معز, أو يراع مهذب
أمنا الليالي أن نراع بحادث *** وملهمها فيما تنال وتكسب
وما الملك إلا الجيش شأنا ومظهرا *** ولا الجيش إلا ربه حين ينسب
أندلسية
يا نائح ( الطلح ) أشباه عوادينا *** نشجى لواديك أم نأسى لوادينا ؟
ماذا تقص علينا غير أن يــدا *** قصت جناحك جالت فى حواشينا
رمى بنا البين أيكا غير سامرنا *** أخـا الغريب : وظلا غير نادينا
كل رمته النوى: ريش الفراق لنا *** سهما , وسل عليك البين سكينا
إذا دعا الشوق لم نبرح بمنصدع *** مـن الجناحين عي لا يلبينــا
فإن يك الجنس يابن الطلح فرقنا *** إن المصائب يجمعن المصابينـا
لــم تأل ماءك تحنانا ولا ظلما *** ولا أدكارا , ولا شجوا أفانينــا
تجـر من فنن ساقا إلى فنــن *** وتسحـب الذى ترتاد المؤاسينـا
أساة جسمك شتى حين تطلبـهم *** فمن لروحك بالنطس المداوينـا
آهــا لنا نازحى إيك بأندلـس *** وإن حللنا رفيـفا من روابينــا
رسم وقفنا على رسم الوفاء لـه *** نجيش بالدمع , والإجلال يثنينـا
لفتيـه لا تنـال الأرض أدمعهم *** ولا مفارقــهم إلا مصلينـــا
لـو لـم يسودا بدين فيه منبهة *** للناس كانت لهم أخلاقهم دينــا
لم نسر من حرم إلا إلى حـرم *** كالخمر من (بابل) سارت (لدارينا)
لما نبا الخلد نابت عنه نسختـه *** تماثل الورد (خيريا) و (نسرينـا)
نسقى ثراهم ثناء , كلما نثـرت *** دموعنـا نظمت منها مراثينــا
كادت عيون قوافينا تحركـــه *** وكدن يوقظن فى الترب السلاطينا
لكن مصر وإن أغضت على مقة *** عيـن من الخلد بالكافور تسقينـا
علـى جوانبها رفت تمانمنــا *** وحول حافاتـها قامت رواقينــا
ملاعـب مرحت فيها مآربنـا *** وأربع أنسـت فيها أمانينــــا
ومطلع لسعود من أواخرنــا *** ومغـرب لجدود من أوالينـــا
بنا فلم نخل من روح يراوحنـا *** من بر مصر وريحان يغادينــا
كأم موسى على أسم الله تكفلنا *** وباسمه ذهبت فى اليم تلقينــا
ومصر كالكرم ذى الإحسان فاكهة *** للحاضرين وأكواب لبادينــــا
***
يا سارى البرق يرمى عن جوانحنا *** بعد الهدوء ويهمى عن مآقينــا
لما ترقرق فى دمع السماء دما *** هاج البكا فخضبنا الأرض باكينــا
الليـــل يشهد لم تهتك دياجيه *** على نيـام ولـم تهتف بسالينـــا
والنجـم لم يرنا إلا على قــدم *** قيــام ليل الهوى للعهد راعينــا
كزفرة فى سماء الليل حائــرة *** ممــا نردد فيه حين يضوينــا
بالله إن جبت ظلماء العباب على *** نجانب النور محدوا ( بجــرينا )
تــرد عنك يداه كل عاديــة *** إنسـا يعثن فسادا أو شياطينــا
حتى حوتك سماء النيل عاليـة *** على الغيوث وإن كانت ميامينـا
وأحرزتك شفوف اللازورد على *** وشى الزبرجد من أفواف وادينـا
وحازك الريف أرجاء مؤرجـه *** ربـت خمائل واهتزت بساتينـا
فقف إلى النيل وأهتف فى خمائله *** وأنزل كما نزل الطل الرياحينا
وأس مـابات يذوى من منازلنا *** بالحادثات ويضوى من مغانينـا
ويا معطرة الوادى سرت سحـرا *** فطاب كل طروح من مرامينـا
ذكيـة لذيل لو خلنا غلالتهــا *** قميص يوسف لم نحسب مغالينا
اجشمت شوك السرى حتى أتيت لنا *** بالورد كتبا وبالربا عناوينـــا
فلو جزيناك بالأرواح غاليـة عن *** طيب مسراك لم تنهض جوازينا
هـل من ذويك مسكى نحملــه *** غرائـب الشوق وشيا من أمالينا
إلـى الذى وجدنـا ود غيرهـم *** دنيـا وودهمو الصافى هو الدينا
يا من نغار عليهم من ضمائرنا *** ومن مصون هواهم فى تناجينـا
ناب الحنين إليكم فى خواطرنا *** عن الدلال عليكم فى أمانينــا
جئنا الى الصبر ندعوه كعادتنا *** فى النائبات فلم يأخذ بأيدينــا
وما غلبنا على دمع ولا جـلد *** حتى أتتنا نواكم من صياصينـا
ونابغـى كان الحشر آخـره *** تميتنـا فيه ذكراكم وتحيينــا
نطوى دجاه بجرح من فراقكمو *** يكاد فى غلس الأسحار يطوينا
إذا رسى النجم لم ترفأ محاجرنا *** حتى يزول , ولم تهدأ تراقينـا
بتنا نقاسى الدواهى من كواكبه *** حتى قعدنا بها : حسرى تقاسينا
يبــدو النهار فيخفيه تجلدنـا *** للشامتتين ويأسوه تأسينـــا
سقيا لعهد كأكناف الربى رفـة *** أنا ذهبنا وأعطاف الصبا لينـا
إذا الزمان بنا غيناء زاهيــة *** ترف أوقاتنا فيها رياحينـــا
الوصل صافية , والعيش ناغية *** والسعد حاشية , والدهر ماشينا
والشمس تختال فى العقيان تحسبها *** ( بلقيس ) ترفل فى وشى اليمانينا
والنيل يقبل كالدنيا إذا احتفلـــت *** لو كان فيها وفاء للمصافينـــا
والسعد لو دام , والنعمى لو اطردت *** والسيل لو عف , والمقدار لو دينا
ألقى على الأرض حتى ردها ذهبـا *** ماء لمسنا به الإكسير أو طينــا
أعداه من يمنه ( التابوت ) وارتسمت *** على جوانبه الأنوار من سينــا
لـه مبالغ ما فى الخلق من كــرم *** عهد الكـرام وميثاق الوفيينــا
لـم يجر للدهر اعذار ولا عـرس *** إلا بأيامنــا أو فى ليالينـــا
ولا حوى السعد اطغى فى أعنته *** منا جيادا ولا أرخي ميادينـــا
نحن اليواقيت خاض النار جوهرنا *** ولم يهن بيد التشتيت غالينـــا
ولا يحــول لنا صبغ ولا خلـق *** اذا تلون كالحرباء شانينــــا
لم تنزل الشمس ميزانا ولا صعدت *** فى ملكها الضخ عرشا مثل وادينا
ألم تؤله على حافاتــــه ورأت *** عليـه أبناءها الغر الميامينــا ؟
إن غازلت شاطئيه فى الضحي لبسا *** خمائل السندس الموشية الغينــا
وبات كل مجاج الواد من شجــر *** لوافظ القز بالخيطان ترمينـــا
وهذه الأرض من سهل ومن جبل *** قبل (القياصر) دناها (فراعينــا)
ولم يضع حجرا بان على حجـر *** فى الأرض إلا علي آثار بانينــا
كأن أهرام مصر حائط نهضـت *** به يد الدهر لا بنيان فانينــــا
إيوانه الفخم من عليا مقاصــره *** يفني الملوك ولا يبقي الأوانينـا
كأنها ورمالا حولها التطمـــت *** سفينة غرقت إلا أساطينــــا
كأنها تحت لألأ الضحى ذهبـــا *** كنوز (فرعون) غطين الموازينـا
أرض الأبوة والميلاد طيبهــا *** مر الصبا من ذيول من تصابينـا
كانت محجلة , فيها مواقفنـــا *** غرا مسلسلة المجرى قواقينـــا
فآب من كره الأيام لاعبنـــا *** وثاب من سنة الأحلام لاهينـــا
ولم ندع لليالي صافيا , دعـت *** (بأن نعص فقال الدهر :آمينــا)
لو استطعنا لخضنا الجو صاعقة *** والبر نار وغي ،والبحر غسلينـا
سعيا إلى مصر نقضى حق ذاكرنا *** فيها إذا نسي الوافي وباكينـــا
كنز(بحلوان) عند الله نطلبـــه *** خير الودائع من خير المؤدينــا
لو غاب كل عزيز عنه غيبتنـا *** لم يأته الشوق إلا من نواحينــا
إذا حملنا لمصر أوله شجنــا *** لم ندر أي هوى الأمين شاجينـا
لي جدة ترأف بي
لي جدة ترأف بي *** أحنى علي من أبي
وكل شيء سرني *** تذهب فيه مذهبي
إن غضب الأهل علي *** كلهم لم تغضب
مشى أبي يوما إلي *** مشية المؤدب
غضبان قد هدد بالضر *** ب وإن لم يضرب
فلم أجد لي منه *** غير جدتي من مهرب
فجعلتني خلفها *** أنجو بها, وأختبي
وهي تقول لأبي *** بلهجة المؤنب:
ويح له! ويح لهـ *** ـذا الولد المعذب!
ألم تكن تصنع ما *** يصنع إذ أنت صبي؟
رثاء عمر المختار
ركزوا رفاتك في الرمال لواء *** يستنهض الوادي صباح مساء
يا ويحهم نصبوا منارا من دم *** توحي إلى جيل الغد البغضاء
ما ضر لو جعلوا العلاقة في غد *** بين الشعوب مودة وإخاء
جرح يصيح على المدى وضحية *** تتلمس الحرية الحمراء
يا أيها السيف المجرد بالفلا *** يكسو السيوف على الزمان مضاء
تلك الصحاري غمد كل مهند *** أبلى فأحسن في العدو بلاء
وقبور موتى من شباب أمية *** وكهولهم لم يبرحوا أحياء
لو لاذ بالجوزاء منهم معقل *** دخلوا على أبراجها الجوزاء
فتحوا الشمال سهوله وجباله *** وتوغلوا فاستعمروا الخضراء
وبنوا حضارتهم فطاول ركنها *** دار السلام وجلق الشماء
خيرت فاخترت المبيت على الطوى *** لم تبن جاها أو تلم ثراء
إن البطولة أن تموت من الظما *** ليس البطولة أن تعب الماء
إفريقيا مهد الأسود ولحدها *** ضجت عليك أراجلا ونساء
والمسلمون على اختلاف ديارهم *** لا يملكون مع المصاب عزاء
والجاهلية من وراء قبورهم *** يبكون زيد الخيل والفلحاء
في ذمة الله الكريم وحفظه *** جسد ببرقة وسد الصحراء
لم تبق منه رحى الوقائع أعظما *** تبلى ولم تبق الرماح دماء
كرفات نسر أو بقية ضيغم *** باتا وراء السافيات هباء
بطل البداوة لم يكن يغزو على *** تنك ولم يك يركب الأجواء
لكن أخو خيل حمى صهواتها *** وأدار من أعرافها الهيجاء
لبى قضاء الأرض أمس بمهجة *** لم تخش إلا للسماء قضاء
وافاه مرفوع الجبين كأنه *** سقراط جر إلى القضاة رداء
شيخ تمالك سنه لم ينفجر *** كالطفل من خوف العقاب بكاء
وأخو أمور عاش في سرائها *** فتغيرت فتوقع الضراء
الأسد تزأر في الحديد ولن ترى *** في السجن ضرغاما بكى استخذاء
وأتى الأسير يجر ثقل حديده *** أسد يجرر حية رقطاء
عضت بساقيه القيود فلم ينؤ *** ومشت بهيكله السنون فناء
تسعون لو ركبت مناكب شاهق *** لترجلت هضباته إعياء
خفيت عن القاضي وفات نصيبها *** من رفق جند قادة نبلاء
والسن تعصف كل قلب مهذب *** عرف الجدود وأدرك الآباء
دفعوا إلى الجلاد أغلب ماجدا *** يأسو الجراح ويعتق الأسراء
ويشاطر الأقران ذخر سلاحه *** ويصف حول خوانه الأعداء
وتخيروا الحبل المهين منية *** لليث يلفظ حوله الحوباء
حرموا الممات على الصوارم والقنا *** من كان يعطي الطعنة النجلاء
إني رأيت يد الحضارة أولعت *** بالحق هدما تارة وبناء
شرعت حقوق الناس في أوطانهم *** إلا أباة الضيم والضعفاء
يا أيها الشعب القريب أسامع *** فأصوغ في عمر الشهيد رثاء
أم ألجمت فاك الخطوب وحرمت *** أذنيك حين تخاطب الإصغاء
ذهب الزعيم وأنت باق خالد *** فانقد رجالك واختر الزعماء
وأرح شيوخك من تكاليف الوغى *** واحمل على فتيانك الأعباء
هذي المحاسن ما خلفت لبرقع
ضمي قناعك يا سعاد أو ارفعي *** هذي المحاسن ما خلقن لبرقع
الضاحيات, الباكيات, ودونها *** ستر الجلال , بعد شأو الملطع
يا دمية لا يستزاد جمالها *** زيديه حسن المحسن المتبرع
ماذا على سلطانه من وقفة *** للضارعين, وعطفة للخشع؟
بل ما يضرك لو سمحت بحلوة ؟ *** إن العروس كثيرة المتطلع
ليس الحجاب لمن يعز مناله *** إن الحجاب لهين لم يمنع
أنت التي اتخذ الجمال لعزه *** من مظهر , ولسره من موضع
وهو الصناع , يصوغ كل دقيقة *** وأدق منك بنانه لم تصنع
لمستك راحته , ومسك روحه *** فأتى البديع على مثال المبدع
* * *
الله في الأحبار : من متهالك *** نضو , ومهتوك المسوح مصرع
من كل غاو في طوية راشد *** عاصي الظواهر في سريرة طيع
يتوهجون ويطفأون, كأنهم *** سرج بمعترك الرياح الأربع
علموا , فضاق بهم وشق طريفهم *** والجاهلون على الطريق المهيع
ذهب ابن سينا , لم يفز بك ساعة *** وتولت الحكماء لم تتمتع
هذا مقام , كل عز دونه *** شمس النهار بمثله لم تطمع
فمحمد لك والمسيح ترجلا *** وترجلت شمس النهار ليوشع
ما بال أحمد عي عنك بيانه؟ *** بل ما لعيسى لم يقل أو يدع
ولسان موسى انحل إلا عقدة *** من جانبيك علاجها لم ينجع
* * *
لما حللت بآدم حل الحبا *** ومشى على الملأ السجود الركع
وأرى النبوة في ذراك تكرمت *** في يوسف وتكلمت في المرضع
وسقت قريش على لسان محمد *** بالبابلي من البيان الممتع
ومشت بموسى في الظلام مشردا *** وحدته في قلل الجبال اللمع
حتى إذا طويت ورثت خلالها *** رفع الرحيق وسره لم يرفع
قسمت منازلك الحظوظ فمنزلا *** أترعن منك ومنزلا لم تترع
وخلية بالنحل منك عميرة *** وخلية معمورة بالتبع
وحظيرة قد أودعت غرر الدمى *** وحظيرة محرومة لم تودع
نظر الرئيس إلى كمالك نظرة *** لم تخل من بصر اللبيب الأروع
* * *
فرآه منزلة تعرض دونها *** قصر الحياة وحال وشك المصرع
لولا كمالك في الرئيس ومثله *** لم تحسن الدنيا ولم تترعرع
الله ثبت أرضه بدعائم *** هم حائط الدنيا وركن المجمع
لو أن كل أخي يراع بالغ *** شأو الرئيس وكل صاحب مبضع
* * *
ذهب الكمال سدى وضاع محله *** في العالم المتفاوت المتنوع
يا نفس مثل الشمس أنت أشعة *** في عامر وأشعة في بلقع
فإذا طوى الله النهار تراجعت *** شتى الأشعة فالتقت في المرجع
لما نعيت إلى المنازل غودرت *** دكا ومثلك في المنازل ما نعي
ضجت عليك معالما ومعاهدا *** وبكت فراقك بالدموع الهمع
آذنتها بنوى فقالت ليت لم *** تصل الحبال وليتها لم تقطع
ورداء جثمان لبست مرقم *** بيد الشباب على المشيب مرقع
* * *
كم بنت فيه وكم خفيت كأنه *** ثوب الممثل أو لباس المرفع
أسئمت من ديباجه فنزعته *** والخز أكفان إذا لم ينزع
فزعت وما خفيت عليها غاية *** لكن من يرد القيامة يفزع
ضرعت بأدمعها إليك وما درت *** أن السفينة أقلعت في الأدمع
أنت الوفية لا الذمام لديك مذ *** موم ولا عهد الهوى بمضيع
أزمعت فانهلت دموعك رقة *** ولو استطعت إقامة لم تزمعي
بان الأحبة يوم بينك كلهم *** وذهبت بالماضي وبالمتوقع
انتحار الطلبة
ناشئ في الورد من أيامه
أبا الهول , طال عليك العصر *** والعلم بعض فوائد الأسفار
ظلم الرجال نساءهم وتعسفوا *** بين إشفاق عليكم وحذر؟
فمصاب الملك في شبانه *** اين البيان وصائب الأفكار؟
فيه مجال للكلام, ومذهب *** ليراع باحثة وست الدار
سدد السهم الى صدر الصبا *** ورماه في حواشيه الغرر
بيد لا تعرف الشر , ولا *** صلحت إلا لتلهوبالأكر
بسطت للسم والحبل , وما *** بسطت للكأس يوما والوتر
ل , تزولان في الموعد المنتظر؟
مما رأيت وما علمت مسافرا *** فكك العلم, وأودى بالأسر؟
فيه مجال للكلام , ومذهب *** بيد لا تعرف الشر, ولا
المؤمنون بمصر يهـ *** ولياليه أصيل وسحر
أبا الهول, ماذا وراء البقا *** ء - إذا ما تطاول - غير الضجر؟
إن الحجاب على فروق جنة *** على لبد والنسور الأخر
ـن وبالخليفة من أسير *** خفة في الظل , أو طيب قصر
ة لحقت بصانعك المقتدر
والمسك فياح العبير *** بردي أشعر من جرير
كل يوم خبر عن حدث *** سئم العيش , ومن يسأم يذر
فإن الحياة تفل الحديـ *** ـد إذا لبسته , وتبلي الحجر
الصابرات لضرة ومضرة *** فكفى الشيب مجالا للكدر
عاف بالدنيا بناء بعد ما *** خطب الدنيا , وأهدى , ومهر
من كل ذي سبعين , يكتم شيبه *** والشيب في فوديه ضوء نهار
حل يوم العرس منها نفسه *** رحم الله العروس المختضر
يأبى له في الشيب غير سفاهة *** غفر الله له, ما ضره
أين البيان وصائب الأفكار؟
ضاق بالعيشة ذرعا , فهوى
ذاهبا في مثل آجال الزهر
ما حله عطف , ولا رفق, ولا *** بر بأهل , أو هوى لديار
وقليل من تغاضى أو عذر *** وصبا الدنيا عزيز مختصر
هاربا من ساحة العيش , وما
لا أرى الأيام إلا معركا
مهما غدا أو راح في جولاته *** دفعته خاطبة الى سمسار
وصبي أزرت الدنيا به
كالشمس , إن خطبت فللأقمار
أبا الهول ويحك لا يستقلـ *** فتشت لم أر في الزواج كفاءة
ة , الناهيات على الصدور
ولقد أبلاك عذرا حسنا
أسال البياض وسل السواد *** وأوغل منقاره في الحفر
المال حلل كل غير محلل
سحر القلوب, فرب أم قلبها *** من سحره حجر من الأحجار
قلب صغير الهم والأوطار
ويقول الطب : بل من جنة *** ورأيت العقل في الناس ندر
كأن الرمال على جانبيـ *** بقلادة , أو شادنا بسوار
ورمت بها في غربة وإسار
يخفى , فإن ريع الحمى
ضنوا بضائع حقهم *** ـن حسامه شيخ الذكور
وتعللت بالشرع , قلت: كذبته *** وبنى الملك عليه وعمر
ما زوجت تلك الفتاة , وإنما *** بيع الصبا والحسن بالدينار
لا أرى إلا نظاما فاسدا *** عيل والملك الكبير
قال ناس: صرعة من قدر
ها من ملائكة وحور؟ *** ـد, وعصمة الملك الغرير
فتشت لم أر في الزواج كفاءة *** ككفاءة الأزواج في الأعمار
نزل العيش , فلم ينزل سوى
نقلت من البال الى الدوار
أمسين في رق العبيـ *** وليال ليس فيهن سمر
والدر مؤتلق السنا
وعلى الذوائب وهي مسك خولطت
في بني العلات من ضغن وشر
لك في الكبير وفي الصغير *** أبويهم أو يبارك في الثمر
والخيل, والجم الغفير
نشأ الخير , رويدا , قتلكم *** القابضين على الصليـ
لو عصيتم كاذب اليأس, فما *** في صباها ينحر النفس الضجر
شارف الغمرة منها والغدر *** يا رب تجمعه يد المقدار
ـم, الراويات من السرور
فيم تجنون على آبائكم
وكيف ابتلوا بقليل العديـ *** ـد من الفاتحين كريم النفر؟
وتعقون بلادا لم تزل
فمصاب الملك في شبانه
بشرى الإمام محمد
ـأيام في الزمن الأخير
وربهن بلا نصير *** شب بين العز فيها والخطر
ورفيع لم يسوده أب
يتلو الزمان صحيفة
روحوا القلب بلذات الصذبا *** ة , وحكمة الشيخ الخبير؟
شيخ الملوك وإن تضعـ *** وانشدوا ما ضل منها في السير
وكان من يقق الحبور
مهما غدا أو راح في جولاته
وعمروا يسوق بمصر الصحا *** ب , ويزجي الكتاب , ويحدو السور
لا بالدعي, ولا الفخور *** جعل الورد بإذن والصدر
إنما يسمح بالروح الفتى *** نور تلألأ فوق نور
ئر في المخادع والخدور
تجوس بعين خلال الديا *** نبأ يثير ضمائر الأحرار
المحييات الليل بالأذكار *** ن تحرك ما فيه , حتى الحجر
المشرقان عليك ينتحبان
المشرقان عليك ينتحبان *** قاصيهما في مأتم والداني
يا خادم الإسلام, أجر مجاهد *** في الله من خلد ومن رضوان
لما نعيت إلى الحجاز مشى الأسى *** في الزائرين وروع الحرمان
السكة الكبرى حيال رباهما *** منكوسة الأعلام والقضبان
لم تألها عند الشدائد خدمة *** في الله والمختار والسلطان
يا ليت مكة والمدينة فازتا *** في المحفلين بصوتك الرنان
ليرى الأواخر يوم ذاك ويسمعوا *** ما غاب من قس ومن سحبان
جار التراب وأنت أكرم راحل *** ماذا لقيت من الوجود الفاني؟
أبكي صباك؛ ولا أعاتب من جنى *** هذا عليه كرامة للجاني
يتساءلون: أبـ السلال قضيت, أم *** بالقلب, أم هل مت بالسرطان؟
الله يشهد أن موتك بالحجا *** والجد والإقدام والعرفان
إن كان للأخلاق ركن قائم *** في هذه الدنيا, فأنت الباني
بالله فتش عن فؤادك في الثرى *** هل فيه آمال وفيه أماني؟
وجدانك الحي المقيم على المدى *** ولرب حي ميت الوجدان
الناس جار في الحياة لغاية *** ومضلل يجري بغير عنان
والخلد في الدنيا ـ وليس بهين ـ *** عليا المراتب لم تتح لجبان
فلو أن رسل الله قد جبنوا لما *** ماتوا على دين من الأديان
المجد والشرف الرفيع صحيفة *** جعلت لها الأخلاق كالعنوان
وأحب من طول الحياة بذلة *** قصر يريك تقاصر الأقران
دقات قلب المرء قائلة له: *** إن الحياة دقائق وثواني
فارفع لنفسك بعد موتك ذكرها *** فالذكر للإنسان عمر ثاني
للمرء في الدنيا وجم شؤونها *** ما شاء من ريح ومن خسران
فهي الفضاء لراغب متطلع *** وهي المضيق لمؤثر السلوان
الناس غاد في الشقاء ورائح *** يشقى له الرحماء وهو الهاني
ومنعم لم يلق إلا لذة *** في طيها شجن من الأشجان
فاصبر على نعمى الحياة وبؤسها *** نعمى الحياة وبؤسها سيان
يا طاهر الغدوات, والروحات, والـ *** ـخطرات, والإسرار, والإعلان
هل قام قبلك في المدائن فاتح *** غاز بغير مهند وسنان؟
يدعو إلى العلم الشريف, وعنده *** أن العلوم دعائم العمران؟
لفوك في علم البلاد منكسا *** جزع الهلال على فتى الفتيان
ما احمر من خجل, ولا من ريبة *** لكنما يبكي بدمع قاني
يزجون نعشك في السناء وفي السنا *** فكأنما في نعشك القمران
وكأنه نعش الحسين بكربلا *** يختال بين بكا, وبين حنان
في ذمة الله الكريم وبره *** ما ضم من عرف ومن إحسان
ومشى جلال الموت وهو حقيقة *** وجلالك المصدوق يلتقيان
شقت لمنظرك الجيوب عقائل *** وبكتك بالدمع الهتون غواني
والخلق حولك خاشعون كعهدهم *** إذ ينصتون لخطبة وبيان
يتساءلون: بأي قلب ترتقى *** بعد المنابر, أم بأي لسان؟
لو أن أوطانا تصور هيكلا *** دفنوك بين جوانح الأوطان
أو كان يحمل في الجوارح ميت *** حملوك في الأسماع والأجفان
أو صيغ من غر الفضائل والعلا *** كفن لبست أحاسن الأكفان
أو كان للذكر الحكيم بقية *** لم تأت بعد؛ رثيت في القرآن
ولقد نظرتك والردى بك محدق *** والداء ملء معالم الجثمان
يبغي ويطغى , والطبيب مضلل *** قنط, وساعات الرحيل دواني
ونواظر العواد عنك أمالها *** دمع تعالج كتمه وتعاني
تملي وتكتب والمشاغل جمة *** ويداك في القرطاس ترتجفان
فهششت لي, حتى كأنك عائدي *** وأنا الذي هد السقام كياني
ورأيت كيف تموت آساد الشرى *** وعرفت كيف مصارع الشجعان
ووجدت في ذاك الخيال عزائما *** ما للمنون بدكهن يدان
وجعلت تسألني الرثاء, فهاكه *** من أدمعي وسرائري وجناني
لولا مغالبة الشجون لخاطري *** لنظمت فيك يتيمة الأزمان
وأنا الذي أرثي الشموس إذا هوت *** فتعود سيرتها إلى الدوران
قد كنت تهتف في الورى بقصائدي *** وتجل فوق النيرات مكاني
ماذا دهاني يوم بنت فعقني *** فيك القريض, وخانني إمكاني؟
هون عليك, فلا شمات بميت *** إن المنية غاية الإنسان
من للحسود بميتة بلغتها *** عزت على كسرى أنوشروان؟
عوفيت من حرب الحياة وحربها *** فهل استرحت أم استراح الشاني؟
يا صب مصر, ويا شهيد غرامها *** هذا ثرى مصر, فنم بأمان
اخلع على مصر شبابك عاليا *** وکلبس شباب الحور والولدان
فلعل مصرا من شبابك ترتدي *** مجدا تتيه به على البلدان
فلو أن بالهرمين من عزماته *** بعض المضاء تحرك الهرمان
علمت شبان المدائن والقرى *** كيف الحياة تكون في الشبان
مصر الأسيفة ريفها وصعيدها *** قبر أبر على عظامك حاني
أقسمت أنك في التراب طهارة *** ملك يهاب سؤاله الملكان
سينية
اختلاف النهار والليل ينسي *** اذكرا لي الصبا وأيام أنسي
وصفا لي ملاوة من شباب *** صورت من تصورات ومس
عصفت كالصبا اللعوب ومرت *** سنة حـلوة ولذة خلس
* * *
وسلا مصر: هل سلا القلب عنها *** أو أسا جرحه الزمان المؤسي
كلما مرت الـليالـي عليه *** رق, والعهد فـي الليالي تقسي
مستطار إذا البواخر رنت *** أول الليل, أو عوت بعد جرس
راهب في الضلوع للسفن فطن *** كلما ثرن شاعهن بنقس
يا ابنة اليم, ما أبـوك بـخيل *** ماله مولعا بمنع وحبس
أحرام على بلابـله الدوح *** حلال للطير من كل جنس؟
كل دار أحق بالأهل إلا *** في خبيث من المذاهب رجس
نفسي مرجل, وقلبي شراع *** بهما في الدموع سيري وأرسي
واجعلي وجهك (الفنار) ومجراك *** يـد (الثغر) بـين (رمل) و(مكس)
* * *
وطـني لو شغلت بالخلد عنه *** نازعتني إليه في الخلد نفسي
وهـفا بالفؤاد في سلسبيل *** ظمأ للسواد مـن (عين شمس)
شهد الله لم يغب عن جـفوني *** شخصه ساعة ولم يخل حسي
يا فؤادي لكل أمر قرار *** فيه يبدو وينجلي بعد لبس
عقلت لجة الأمور عقولا *** طالت الحوت طول سبح وغس
غرقت حيث لا يصاح بطاف *** أو غريق, ولا يصاخ لحس
فلـك يكسف الشموس نـهـارا *** ويسوم البدور ليلة وكس
ومواقيت للأمور إذا ما *** بلغتها الأمور صارت لعكس
دول كالرجال مرتهنـات *** بقيام من الجدود وتعس
وليال من كل ذات سوار *** لطمت كل رب (روم) و(فرس)
سددت بالهلال قوسا وسلت *** خنجرا ينفذان من كل ترس
حكمت في القرون (خوفو) و(دارا) *** وعفت (وائلا) وألوت (بعبس)
* * *
أين (مروان) في المشارق عرش *** أموي وفي الـمغارب كرسي؟
سقمت شمسهم فرد عليها *** نورها كل ثاقب الرأي نطس
ثم غابت وكل شمس سوى هاتيك *** تبلى, وتنطوي تحت رمس
وعظ (البحتري) إيـوان (كسرى) *** شفتني القصور من (عبد شمس)
رب ليل سريت والبرق طرفي *** وبساط طويت والريح عنسي
أنظم الشرق في (الجزيرة) بالغرب *** وأطوي البلاد حزنـا لدهس
في ديار من الخلائف درس *** ومـنار من الطوائف طمس
وربى كالجنان في كنف الزيتون *** خضر, وفي ذرا الكرم طلس
لم يرعـني سوى ثرى قرطبي *** لمست فيه عبرة الدهر خمسي
يا وقى الله ما أصبح منه *** وسقى صفوت الحيا ما أمسي
قرية لا تعد في الأرض كنت *** تمسك الأرض أن تميد وترسي
غشيت ساحل المحيط وغطت *** لجة الروم من شراع وقلس
* * *
ركب الدهر خاطري في ثراها *** فأتى ذلك الحمى بــعد حدس
فتجلت لي القصور ومن فيها *** من العز في منازل قعس
سنة من كرى وطيف أمـان *** وصحا القلب مـن ضلال وهجس
وإذا الدار ما بها من أنيس *** وإذا القوم ما لهم من محس
ورقيق من البيوت عتيق *** جاوز الألف غير مذموم حرس
أثر من (محمد) وتراث *** صار (للروح) ذي الولاء الأمس
بلغ النجم ذروة وتناهى *** بين (ثهلان) في الأساس و(قدس)
مرمر تسبح النواظر فيه *** ويطول المدى عليها فترسي
وسوار كأنها في استواء *** ألفات الوزير في عرض طرس
فترة الدهر قد كست سطريها *** ما اكتسى الهدب من فتور ونعس
* * *
ويحها! كم تزينت لعليم *** واحد الدهر واستعدت لخمس
وكأن الرفيف في مسرح العين *** ملاء مدنرات الدمقس
ومكان الكتاب يغريك ريا *** ورده غائبا فتدنو للمس
صنعة (الداخل) المبارك في *** الغرب وآل له ميامين شمس
من (لحمراء) جللت بغبار *** الدهر كالجرح بين بـرء ونكس
كسنا البرق لو محا الضوء لحظا *** لمحتها العيون من طول قبس
حصن (غرناطة) ودار بني الأحمر *** من غافل ويقظان ندس
جلل الثلج دونها رأس (شيرى) *** فبدا منه في عـصائب برس
سرمد شيبه, ولم أر شيئا *** قبله يـرجى البقاء وينسي
مشت الحادثات في غرف (الحمراء) *** مشي النعي في دار عرس
هتكت عزة الحجاب وفضت *** سدة الباب من سمير وأنسي
عرصات تخلت الخيل عنها *** واستراحت من احتراس وعس
ومغان على الليالي وضاء *** لم تجد للعشي تكرار مس
* * *
لا ترى غير وافدين على التاريخ *** ساعين في خشوع ونكس
نقلوا الطـرف في نضارة آس *** من نقوش, وفي عصارة ورس
وقباب من لازورد وتبر *** كالربى الشم بين ظل وشمس
وخطوط تكفلت للمعاني *** ولألفاظها بأزيـن لبس
وترى مجلس السباع خلاء *** مقفر القاع من ظباء وخنس
لا (الثريا) ولا جواري الثريا *** يتنزلن فيه أقمار إنس
مرمر قامت الأسود عليه *** كلة الظفر لينات المجس
تنثر الماء في الحياض جمانا *** يـتنزى على ترائب ملس
آخر العهد بالجزيرة كانت *** بعد عرك من الزمان وضرس
فتراها تقول: راية جيش *** باد بالأمس بـين أسر وحـس
ومفاتيحها مقاليد ملك *** باعها الوارث المضـيع ببخس
خرج القوم في كتائب صم *** عن حفاظ كموكب الدفن خرس
ركبوا بالبحار نعشا وكانت *** تحت آبائهم هي العرش أمس
رب بان لهادم, وجموع *** لمشت ومحسن لمخس
إمرة الناس همة لا تأنى *** لجبــان ولا تسنى لجبس
* * *
يا ديارا نزلت كالخلد ظلا *** وجـنى دانيا وسلسال أنس
محسنات الفصول لا نـاجر فيها *** بقيظ ولا جمادى بـقرس
لا تحش العيون فوق ربــاها *** غير حور حو المراشف لعس
كسيت أفرخي بظلك ريشا *** وربا في رباك واشتد غرسي
هم بنو مصر لا الجميل لديهم *** بمضاع ولا الصنيع بمنسي
من لسان على ثنائك وقف *** وجنان على ولائك حبس
حسبهم هذه الطلول عظات *** من جديد على الدهور ودرس
وإذا فاتك التفات إلى الماضي *** فقد غاب عنك وجه التأسي
مضناك جفاه مرقده *** وبكاه ورحم عوده
حيران القلب معذبه *** مقروح الجفن مسهده
أودى حرفا إلا رمقا *** يبقيه عليك وتنفده
يستهوي الورق تأوهه *** ويذيب الصخر تنهده
ويناجي النجم ويتعبه *** ويقيم الليل ويقعده
ويعلم كل مطوقة *** شجنا في الدوح تردده
كم مد لطيفك من شرك *** وتأدب لا يتصيده
فعساك بغمض مسعفه *** ولعل خيالك مسعده
الحسن حلفت بيوسفه *** والسورة إنك مفرده
قد ود جمالك أو قبسا *** حوراء الخلد وأمرده
وتمنت كل مقطعة *** يدها لو تبعث تشهده
جحدت عيناك زكي دمي *** أكذلك خدك يجحده؟
قد عز شهودي إذ رمتا *** فأشرت لخدك أشهده
وهممت بجيدك أشركه *** فأبى , واستكبر أصيده
وهززت قوامك أعطفه *** فنبا, وتمنع أملده
سبب لرضاك أمهده *** ما بال الخصر يعقده؟
بيني في الحب وبينك ما *** لا يقدر واش يفسده
ما بال العاذل يفتح لي *** باب السلوان وأوصده؟
ويقول : تكاد تجن به *** فأقول: وأوشك أعبده
مولاي وروحي في يده *** قد ضيعها سلمت يده
ناقوس القلب يدق له *** وحنايا الأضلع معبده
قسما بثنايا لؤلئها *** قسم الياقوت منضده
ورضاب يوعد كوثره *** مقتول العشق ومشهده
وبخال كاد يحج له *** لو كان يقبل أسوده
وقوام يروي الغصن له *** نسبا, والرمح يفنده
وبخصر أوهن من جلدي *** وعوادي الهجر تبدده
ما خنت هواك , ولا خطرت *** سلوى بالقلب تبرده
يا جارة الوادي
شيعـت أحـلامـي بقلـب بـاك *** ولمحت من طرق المـلاح شباكـي
ورجـعـت أدراج الشبـاب وورده *** أمشي مكانهمـا علـى الأشـواك
وبجـانبـي واه كـأن خفـوقـه *** لمـا تلفـت جهشـة المتبـاكـي
شاكي السلاح إذا خـلا بضلوعـه *** فإذا أهيـب بـه فليـس بـشـاك
قد راعـه أنـي طويـت حبائلـي *** من بعـد طـول تنـاول وفكـاك
ويح ابن جنبـي ؟ كل غايـة لـذة *** بعـد الشبـاب عـزيـزة الإدراك
لـم تبـق منا , يا فـؤاد , بقيـة *** لـفـتـوة , أو فضلـة لـعـراك
كنا إذا صفقـت نستبـق الـهوى *** ونشـد شـد العصبـة الـفتـاك
واليوم تبعـث فـي حيـن تهزنـي *** مـا يبعـث الناقـوس في النسـاك
****
يا جارة الوادي , طربـت وعادنـي *** ما يشبـه الأحـلام مـن ذكـراك
مثلت في الذكرى هواك وفي الكرى *** والذكريات صدى السنين الحاكـي
ولقد مررت على الريـاض بربـوة *** غـنـاء كنـت حيالهـا ألقـاك
ضحكت إلـي وجوهها وعيونهـا *** ووجـدت فـي أنفاسهـا ريـاك
فذهبت في الأيـام أذكـر رفرفـا *** بيـن الجـداول والعيـون حـواك
أذكرت هرولة الصبابـة والـهوى *** لـما خطـرت يقبـلان خطـاك ؟
لم أدر ما طيب العناق على الـهوى *** حتـى ترفـق ساعـدي فطـواك
وتأودت أعطـاف بانك في يـدي *** واحـمر مـن خفريهمـا خـداك
ودخلت في ليلين: فرعك والدجـى *** ولثمـت كالصبـح المنـور فـاك
ووجدت في كنه الجوانـح نشـوة *** من طيب فيك , ومن سلاف لمـاك
وتعطلت لغـة الكـلام وخاطبـت *** عينـي في لغـة الـهوى عينـاك
ومحوت كل لبانـة من خاطـري *** ونسيـت كل تعاتـب وتشاكـي
لا أمس من عمر الزمـان ولا غـد *** جمع الزمان فكـان يـوم رضـاك
***
لبنان , ردتنـي إليك مـن النـوى *** أقـدار سـيـر للـحـيـاة دراك
جمعت نزيلي ظهرهـا مـن فرقـة *** كـرة وراء صـوالـج الأفــلاك
نـمشي عليها فوق كـل فجـاءة *** كالطير فـوق مكامـن الأشـراك
ولو أن بالشوق الـمزار وجدتنـي *** ملقي الرحال على ثـراك الذاكـي
***
بنـت البقـاع وأم بـر دونـيـها *** طيبي كجلـق , واسكنـي بـرداك
ودمشق جنـات النعيـم ،وإنـما *** ألفيـت سـدة عـدنهـن ربـاك
قسما لو انتمت الـجداول والربـا *** لتهلـل الفـردوس , ثـم نمـاك
مـرآك مـرآه وعينـك عيـنـه *** لـم يا زحيلـة لا يكـون أبـاك ؟
تلـك الكـروم بقيـة مـن بابـل *** هيهـات! نسـى البابلـي جنـاك
تبدي كوشي الفرس أفتـن صبغـة *** للناظـريـن إلـى ألـذ حـيـاك
خرزات مسك , أو عقود الكهربـا *** أودعـن كافـورا مـن الأسـلاك
فكرت في لبـن الجنـان وخمرهـا *** لـما رأيت الـماء مـس طـلاك
لـم أنس من هبة الزمـان عشيـة *** سلفت بظلـك وانقضـت بـذراك
كنت العروس على منصة جنحـها *** لبنان في الوشـي الكريـم جـلاك
يـمشي إليك اللحظ في الديباج أو *** في العاج من أي الشعـاب أتـاك
ضمـت ذراعيـها الطبيعـة رقـة *** صنيـن والحـرمـون فاحتضنـاك
والبـدر في ثبـج السمـاء منـور *** سالت حلاه على الثـرى وحـلاك
والنيـرات مـن السحـاب مطلـة *** كالغيـد من ستـر ومـن شبـاك
وكأن كـل ذؤابـة مـن شاهـق ** ركن الـمجرة أو جـدار سمـاك
***
سكنت نواحـي الليـل , إلا أنـة *** في الأيك, أو وتر اشجـي حـراك
شرفا , عروس الأرز , كل خريـدة *** تـحت السماء من البـلاد فـداك
ركـز البيـان علـى ذراك لـواءه *** ومشى ملـوك الشعـر في مغنـاك
أدباؤك الزهر الشمـوس , ولا أرى *** أرضا تمخض بالشمـوس سـواك
من كـل أروع علمـه في شعـره *** ويراعـه مـن خلقـه بـمـلاك
جمع القصائـد من ربـاك , وربمـا *** سرق الشمائل مـن نسيـم صبـاك
موسى ببابك في الـمكارم والعـلا *** وعصاه في سحـر البيـان عصـاك
أحللت شعري منك في عليا الـذرا *** وجمـعـتـه بـروايـة الأمـلاك
إن تكرمي يا زحل شعـري إننـي *** أنكـرت كـل قـصـيـدة إلاك
أنت الخيـال : بديعـه , وغريبـه *** الله صـاغـك , والـزمـان رواك
برز الثعلب يوما
برز الثعلب يوما *** في شعار الواعظينا
فمشى في الأرض يهذي *** ويسب الماكرينا
ويقول : الحمد للـ ـه إله العالمينا
يا عباد الله, توبوا *** فهو كهف التائبينا
وازهدوا في الطير, إن الـ ـعيش عيش الزاهدينا
واطلبوا الديك يؤذن *** لصلاة الصبح فينا
فأتى الديك رسول *** من إمام الناسكينا
عرض الأمر عليه *** وهو يرجو أن يلينا
فأجاب الديك : عذرا *** يا أضل المهتدينا !
بلغ الثعلب عني *** عن جدودي الصالحينا
عن ذوي التيجان ممن *** دخل البطن اللعينا
أنهم قالوا وخير الـ ـقول قول العارفينا:
" مخطي من ظن يوما *** أن للثعلب دينا»
اختلاف النهار والليل ينسي
اختلاف النهار والليل ينسي *** اذكرا لي الصبا وأيام أنسي
وصفا لي ملاوة من شباب *** صورت من تصورات ومس
عصفت كالصبا اللعوب ومرت *** سنة حلوة , ولذة خلس
وسلا مصر : هل سلا القلب عنها *** أو أسا جرحه الزمان المؤسي؟
كلما مرت الليالي عليه *** رق , والعهد في الليالي تقسي
مستطار إذا البواخر رنت *** أول الليل, أو عوت بعد جرس
راهب في الضلوع للسفن فطن *** كلما ثرن شاعهن بنقس
يا ابنة اليم , ما أبوك بخيل *** ما له مولعا بمنع وحبس ؟
أحرام على بلابله الدو ح حلال للطير من كل جنس
كل دار أحق بالأهل إلا *** في خبيث من المذاهب رجس
نفسي مرجل وقلبي شراع *** بهما في الدموع سيري وأرسي
واجعلي وجهك الفنار ومجرا *** ك يد الثغر بين رمل ومكس
وطني لو شغلت بالخلد عنه *** نازعتني إليه في الخلد نفسي
وهفا بالفؤاد في سلسبيل *** ظمأ للسواد من عين شمس
شهد الله لم يغب عن جفوني *** شخصه ساعة ولم يخل حسي
يصبح الفكر والمسلة نادي ه وبالسرحة الزكية يمسي
وكأني أرى الجزيرة أيكا *** نغمت طيره بأرخم جرس
هي بلقيس في الخمائل صرح *** من عباب وصاحب غير نكس
حسبها أن تكون للنيل عرسا *** قبلها لم يجن يوما بعرس
لبست بالأصيل حلة وشي *** بين صنعاء في الثياب وقس
قدها النيل فاستحت فتوارت *** منه بالجسر بين عري ولبس
وأرى النيل كالعقيق بوادي *** ه وإن كان كوثر المتحسي
ابن ماء السماء ذو الموكب الفخم *** الذي يحسر العيون ويخسي
لا ترى في ركابه غير مثن *** بخميل وشاكر فضل عرس
وأرى الجيزة الحزينة ثكلى *** لم تفق بعد من مناحة رمسي
أكثرت ضجة السواقي عليه *** وسؤال اليراع عنه بهمس
وقيام النخيل ضفرن شعرا *** وتجردن غير طوق وسلس
وكأن الأهرام ميزان فرعو *** ن بيوم على الجبابر نحس
أو قناطيره تأنق فيها *** ألف جاب وألف صاحب مكس
روعة في الضحى ملاعب جن *** حين يغشى الدجى حماها ويغسي
ورهين الرمال أفطس إلا *** أنه صنع جنة غير فطس
تتجلى حقيقة الناس فيه *** سبع الخلق في أسارير إنسي
لعب الدهر في ثراه صبيا *** والليالي كواعبا غير عنس
ركبت صيد المقادير عينيه *** لنقد ومخلبيه لفرس
فأصابت به الممالك كسرى *** وهرقلا والعبقري الفرنسي
يا فؤادي لكل أمر قرار *** فيه يبدو وينجلي بعد لبس
عقلت لجة الأمور عقولا *** طالت الحوت طول سبح وغس
غرقت حيث لا يصاح بطاف *** أو غريق ولا يصاخ لحس
فلك يكسف الشموس نهارا *** ويسوم البدور ليلة وكس
ومواقيت للأمور إذا ما *** بلغتها الأمور صارت لعكس
دول كالرجال مرتهنات *** بقيام من الجدود وتعس
وليال من كل ذات سوار *** لطمت كل رب روم وفرس
سددت بالهلال قوسا وسلت *** خنجرا ينفذان من كل ترس
حكمت في القرون خوفو ودارا *** وعفت وائلا وألوت بعبس
أين مروان في المشارق عرش *** أموي وفي المغارب كرسي
سقمت شمسهم فرد عليها *** نورها كل ثاقب الرأي نطس
ثم غابت وكل شمس سوى هاتي *** ك تبلى وتنطوي تحت رمس
وعظ البحتري إيوان كسرى *** وشفتني القصور من عبد شمس
رب ليل سريت والبرق طرفي *** وبساط طويت والريح عنسي
أنظم الشرق في الجزيرة بالغر *** ب وأطوي البلاد حزنا لدهس
في ديار من الخلائف درس *** ومنار من الطوائف طمس
وربى كالجنان في كنف الزيتو *** ن خضر وفي ذرا الكرم طلس
لم يرعني سوى ثرى قرطبي *** لمست فيه عبرة الدهر خمسي
يا وقى الله ما أصبح منه *** وسقى صفوة الحيا ما أمسي
قرية لا تعد في الأرض كانت *** تمسك الأرض أن تميد وترسي
غشيت ساحل المحيط وغطت *** لجة الروم من شراع وقلس
ركب الدهر خاطري في ثراها *** فأتى ذلك الحمى بعد حدس
فتجلت لي القصور ومن في *** ها من العز في منازل قعس
ما ضفت قط في الملوك على نذ *** ل المعالي ولا تردت بنجس
وكأني بلغت للعلم بيتا *** فيه ما للعقول من كل درس
قدسا في البلاد شرقا وغربا *** حجه القوم من فقيه وقس
وعلى الجمعة الجلالة والنا *** صر نور الخميس تحت الدرفس
ينزل التاج عن مفارق دون *** ويحلى به جبين البرنس
سنة من كرى وطيف أمان *** وصحا القلب من ضلال وهجس
وإذا الدار ما بها من أنيس *** وإذا القوم ما لهم من محس
ورقيق من البيوت عتيق *** جاوز الألف غير مذموم حرس
أثر من محمد وتراث *** صار للروح ذي الولاء الأمس
بلغ النجم ذروة وتناهى *** بين ثهلان في الأساس وقدس
مرمر تسبح النواظر فيه *** ويطول المدى عليها فترسي
وسوار كأنها في استواء *** ألفات الوزير في عرض طرس
فترة الدهر قد كست سطريها *** ما اكتسى الهدب من فتور ونعس
ويحها كم تزينت لعليم *** واحد الدهر واستعدت لخمس
وكأن الرفيف في مسرح العي *** ن ملاء مدنرات الدمقس
وكأن الآيات في جانبيه *** يتنزلن في معارج قدس
منبر تحت منذر من جلال *** لم يزل يكتسيه أو تحت قس
ومكان الكتاب يغريك ريا *** ورده غائبا فتدنو للمس
صنعة الداخل المبارك في الغر *** ب وآل له ميامين شمس
من لحمراء جللت بغبار ال *** دهر كالجرح بين برء ونكس
كسنا البرق لو محا الضوء لحظا *** لمحتها العيون من طول قبس
حصن غرناطة ودار بني الأح *** مر من غافل ويقظان ندس
جلل الثلج دونها رأس شيرى *** فبدا منه في عصائب برس
سرمد شيبه ولم أر شيبا *** قبله يرجى البقاء وينسي
مشت الحادثات في غرف الحم *** راء مشي النعي في دار عرس
هتكت عزة الحجاب وفضت *** سدة الباب من سمير وأنس
عرصات تخلت الخيل عنها *** واستراحت من احتراس وعس
ومغان على الليالي وضاء *** لم تجد للعشي تكرار مس
لا ترى غير وافدين على التا *** ريخ ساعين في خشوع ونكس
نقلوا الطرف في نضارة آس *** من نقوش وفي عصارة ورس
وقباب من لازورد وتبر *** كالربى الشم بين ظل وشمس
وخطوط تكفلت للمعاني *** ولألفاظها بأزين لبس
وترى مجلس السباع خلاء *** مقفر القاع من ظباء وخنس
لا الثريا ولا جواري الثريا *** يتنزلن فيه أقمار إنس
مرمر قامت الأسود عليه *** كلة الظفر لينات المجس
تنثر الماء في الحياض جمانا *** يتنزى على ترائب ملس
آخر العهد بالجزيرة كانت *** بعد عرك من الزمان وضرس
فتراها تقول راية جيش *** باد بالأمس بين أسر وحس
ومفاتيحها مقاليد ملك *** باعها الوارث المضيع ببخس
خرج القوم في كتائب صم *** عن حفاظ كموكب الدفن خرس
ركبوا بالبحار نعشا وكانت *** تحت آبائهم هي العرش أمس
رب بان لهادم وجموع *** لمشت ومحسن لمخس
إمرة الناس همة لا تأنى *** لجبان ولا تسنى لجبس
وإذا ما أصاب بنيان قوم *** وهي خلق فإنه وهي أس
يا ديارا نزلت كالخلد ظلا *** وجنى دانيا وسلسال أنس
محسنات الفصول لا ناجر في *** ها بقيظ ولا جمادى بقرس
لا تحش العيون فوق رباها *** غير حور حو المراشف لعس
كسيت أفرخي بظلك ريشا *** وربا في رباك واشتد غرسي
هم بنو مصر لا الجميل لديهم *** بمضاع ولا الصنيع بمنسي
من لسان على ثنائك وقف *** وجنان على ولائك حبس
حسبهم هذه الطلول عظات *** من جديد على الدهور ودرس
وإذا فاتك التفات إلى الما *** ضي فقد غاب عنك وجه التأسي
دمشق
سلام من صبا بردى أرق *** ودمع لا يكفكف يا دمشق
ومعذرة اليراعة والقوافي *** جلال الرزء عن وصف يدق
وذكرى عن خواطرها لقلبي *** إليك تلفت أبدا وخفق
وبي مما رمتك به الليالي *** جراحات لها في القلب عمق
دخلتك والأصيل له ائتلاق *** ووجهك ضاحك القسمات طلق
وتحت جنانك الأنهار تجري *** وملء رباك أوراق وورق
وحولي فتية غر صباح *** لهم في الفضل غايات وسبق
على لهواتهم شعراء لسن *** وفي أعطافهم خطباء شدق
رواة قصائدي فاعجب لشعر *** بكل محلة يرويه خلق
غمزت إباءهم حتى تلظت *** أنوف الأسد واضطرم المدق
وضج من الشكيمة كل حر *** أبي من أمية فيه عتق
لحاها الله أنباء توالت *** على سمع الولي بما يشق
يفصلها إلى الدنيا بريد *** ويجملها إلى الآفاق برق
تكاد لروعة الأحداث فيها *** تخال من الخرافة وهي صدق
وقيل معالم التاريخ دكت *** وقيل أصابها تلف وحرق
ألست دمشق للإسلام ظئرا *** ومرضعة الأبوة لا تعق
صلاح الدين تاجك لم يجمل *** ولم يوسم بأزين منه فرق
وكل حضارة في الأرض طالت *** لها من سرحك العلوي عرق
سماؤك من حلى الماضي كتاب *** وأرضك من حلى التاريخ رق
بنيت الدولة الكبرى وملكا *** غبار حضارتيه لا يشق
له بالشام أعلام وعرس *** بشائره بأندلس تدق
رباع الخلد ويحك ما دهاها *** أحق أنها درست أحق
وهل غرف الجنان منضدات *** وهل لنعيمهن كأمس نسق
وأين دمى المقاصر من حجال *** مهتكة وأستار تشق
برزن وفي نواحي الأيك نار *** وخلف الأيك أفراخ تزق
إذا رمن السلامة من طريق *** أتت من دونه للموت طرق
بليل للقذائف والمنايا *** وراء سمائه خطف وصعق
إذا عصف الحديد احمر أفق *** على جنباته واسود أفق
سلي من راع غيدك بعد وهن *** أبين فؤاده والصخر فرق
وللمستعمرين وإن ألانوا *** قلوب كالحجارة لا ترق
رماك بطيشه ورمى فرنسا *** أخو حرب به صلف وحمق
إذاما جاءه طلاب حق *** يقول عصابة خرجوا وشقوا
دم الثوار تعرفه فرنسا *** وتعلم أنه نور وحق
جرى في أرضها فيه حياة *** كمنهل السماء وفيه رزق
بلاد مات فتيتها لتحيا *** وزالوا دون قومهم ليبقوا
وحررت الشعوب على قناها *** فكيف على قناها تسترق
بني سورية اطرحوا الأماني *** وألقوا عنكم الأحلام ألقوا
فمن خدع السياسة أن تغروا *** بألقاب الإمارة وهي رق
وكم صيد بدا لك من ذليل *** كما مالت من المصلوب عنق
فتوق الملك تحدث ثم تمضي *** ولا يمضي لمختلفين فتق
نصحت ونحن مختلفون دارا *** ولكن كلنا في الهم شرق
ويجمعنا إذا اختلفت بلاد *** بيان غير مختلف ونطق
وقفتم بين موت أو حياة *** فإن رمتم نعيم الدهر فاشقوا
وللأوطان في دم كل حر *** يد سلفت ودين مستحق
ومن يسقى ويشرب بالمنايا *** إذا الأحرار لم يسقوا ويسقوا
ولا يبني الممالك كالضحايا *** ولا يدني الحقوق ولا يحق
ففي القتلى لأجيال حياة *** وفي الأسرى فدى لهم وعتق
وللحرية الحمراء باب *** بكل يد مضرجة يدق
جزاكم ذو الجلال بني دمشق *** وعز الشرق أوله دمشق
نصرتم يوم محنته أخاكم *** وكل أخ بنصر أخيه حق
وما كان الدروز قبيل شر *** وإن أخذوا بما لم يستحقوا
ولكن ذادة وقراة ضيف *** كينبوع الصفا خشنوا ورقوا
لهم جبل أشم له شعاف *** موارد في السحاب الجون بلق
لكل لبوءة ولكل شبل *** نضال دون غايته ورشق
كأن من السموأل فيه شيئا *** فكل جهاته شرف وخلق
على قدر الهوى يأتي العتاب
على قدر الهوى يأتي العتاب *** ومن عاتبت يفديه الصحاب
ألوم معذبي , فألوم نفسي *** فأغضبها ويرضيها العذاب
ولو أني استطعت لتبت عنه *** ولكن كيف عن روحي المتاب؟
ولي قلب بأن يهوى يجازى *** ومالكه بأن يجني يثاب
ولو وجد العقاب فعلت, لكن *** نفار الظبي ليس له عقاب
يلوم اللائمون وما رأوه *** وقدما ضاع في الناس الصواب
صحوت, فأنكر السلوان قلبي *** علي, وراجع الطرب الشباب
كأن يد الغرام زمام قلبي *** فليس عليه دون هوى حجاب
كأن رواية الأشواق عود *** على بدء وما كمل الكتاب
كأني والهوى أخوا مدام *** لنا عهد بها, ولنا اصطحاب
إذا ما اغتضت عن عشق يعشق *** أعيد العهد, وامتد الشراب
تلك الطبيعة , قف بنا يا ساري
تلك الطبيعة , قف بنا يا ساري *** حتى أريك بديع صنع الباري
الأرض حولك والسماء اهتزتا *** لروائع الآيات والآثار
من كل ناطقة الجلال, كأنها *** أم الكتاب على لسان القاري
دلت على ملك الملوك فلم تدع *** لأدلة الفقهاء والأحبار
من شك فيه فنظرة في صنعه *** تمحو أثيم الشك والإنكار
كشف الغطاء عن الطرول وأشرقت *** منه الطبيعة غير ذات ستار
شبهتها بلقيس فوق سريرها *** في نضرة ومواكب وجواري
أو (بابن داود) وواسع ملكه *** ومعالم للعز فيه كبار
هوج الرياح خواشع في بابه *** والطير فيه نواكس المنقار
***
قامت على ضاحي الجنان كأنها *** رضوان يزجي الخلد للأبرار
كم في الخمائل وهي بعض إمائها *** من ذات خلخال وذات سوار
وحسيرة عنها الثياب وبضة *** في الناعمات تجر فضل إزار
وضحوك سن تملأ الدنيا سنى *** وغريقة في دمعها المدرار
ووحيدة بالنجد تشكو وحشة *** وكثيرة الأتراب بالأغوار
***
ولقد تمر على الغدير تخاله *** والنبت مرآة زهت بإطار
حلو التسلسل موجه وجريره *** كأنامل مرت على أوتار
مدت سواعد مائه وتألقت *** فيها الجواهر من حصى وجمار
ينساب في مخضلة مبتلة *** منسوجة من سندس ونضار
زهراء عون العاشقين على الهوى *** مختارة الشعراء في آذار
قام الجليد بها وسال كأنه *** دمع الصبابة بل غضن عذار
وترى السماء ضحى وفي جنح الدجى *** منشقة من أنهر وبحار
في كل ناحية سلكت ومذهب *** جبلان من صخر وماء جاري
من كل منهمر الجوانب والذرى *** غمر الحضيض محلل بوقار
عقد الضريب له عمامة فارع *** جم المهابة من شيوخ نزار
ومكذب بالجن ريع لصوتها *** في الماء منحدرا وفي التيار
ملأ الفضاء على المسامع ضجة *** فكأنما ملأ الجهات ضواري
وكأنما طوفان نوح ما نرى *** والفلك قد مسخت حثيث قطار
يجري على مثل الصراط وتارة *** ما بين هاوية وجرف هاري
***
جاب الممالك حزنها وسهولها *** وطوى شعاب الصرب والبلغار
حتى رمى برحالنا ورجائنا *** في ساح مأمول عزيز الجار
ملك بمفرقه إذا استقبلته *** تاجان تاج هدى وتاج فخار
سكن الثريا مستقر جلاله *** ومشت مكارمه إلى الأمصار
فالشرق يسقى ديمة بيمينه *** والغرب تمطره غيوث يسار
ومدائن البرين في إعظامه *** وعوالم البحرين في الإكبار
الله أيده بآساد الشرى *** في صورة المتدجج الجرار
الصاعدين إلى العدو على الظبى *** النازلين على القنا الخطار
المشترين الله بالأبناء وال *** أزواج والأموال والأعمار
القائمين على لواء نبيه *** المنزلين منازل الأنصار
***
يا عرش (قسطنطين) نلت مكانة *** لم تعطها في سالف الأعصار
شرفت بالصديق والفاروق بل *** بالأقرب الأدنى من المختار
حامي الخلافة مجدها وكيانها *** بالرأي آونة وبالبتار
***
تاهت فروق على العواصم وازدهت *** بجلوس أصيد باذخ المقدار
(جم الجلال كأنما كرسيه *** جزء من الكرسي ذي الأنوار)
أخذت على البوسفور زخرفها دجى *** وتلألأت كمنازل الأقمار
فالبدر ينظر من نوافذ منزل *** والشمس ثم مطلة من دار
وكواكب الجوزاء تخطر في الربى *** والنسر مطلعه من الأشجار
واسم الخليفة في الجهات منور *** تبدو السبيل به ويهدي الساري
كتبوه في شرف القصور وطالما *** كتبوه في الأسماع والأبصار
***
يا واحد الإسلام غير مدافع *** أنا في زمانك واحد الأشعار
لي في ثنائك وهو باق خالد *** شعر على الشعرى المنيعة زاري
أخلصت حبي في الإمام ديانة *** وجعلته حتى الممات شعاري
لم ألتمس عرض الحياة وإنما *** أقرضته في الله والمختار
إن الصنيعة لا تكون كريمة *** حتى تقلدها كريم نجار
والحب ليس بصادق ما لم تكن *** حسن التكرم فيه والإيثار
والشعر إنجيل إذا استعملته *** في نشر مكرمة وستر عوار
وثنيت عن كدر الحياض عنانه *** إن الأديب مسامح ومداري
عند العواهل من سياسة دهرهم *** سر وعندك سائر الأسرار
هذا مقام أنت فيه محمد *** أعداء ذاتك فرقة في النار
إن الهلال وأنت وحدك كهفه *** بين المعاقل منك والأسوار
لم يبق غيرك من يقول أصونه *** صنه بحول الواحد القهار
حسامك من سقراط في الخطب أخطب
حسامك من سقراط في الخطب أخطب *** وعودك من عود المنابر اصلب
ملكت سبيليهم: ففي الشرق مضرب *** لجيشك ممدود , وفي الغرب مضرب
وعزمك من هومير أمضى بديهة *** وأجلى بيانا في القلوب , واعذب
وإن يذكروا إسكندرا وفتوحه *** فعهدك بالفتح المحجل أقرب
ثمانون ألفا أسد غاب , ضراغم *** لها مخلب فيهم, وللموت مخلب
إذا حلمت فالشر وسنان حالم *** وإن غضبت فالشر يقظان مغضب
وملكك أرقى بالدليل حكومة *** وأنفذ سهما في الأمور, وأصوب
وتغشى أبيات المعاقل والذرا *** فثيبهن البكر, والبكر ثيب
ظهرت أمير المؤمنين على العدا *** ظهورا يسوء الحاسدين ويتعب
يقود سراياها , ويحمي لواءها *** حوائر, ما يدرين ماذا تخرب؟
سل العصر , والأيام : والناس : هل نبا *** لرأيك فيهم, أو لسيفك مضرب
هم ملأوا الدنيا جهاما, وراءه *** جهام من الأعوان أهذى وأكذب
يجيء بها حينا , ويرجع مرة *** كما تدفع اللج البحار وتجذب
ويرمي بها كالبحر من كل جانب *** فكل خميس لجة تتضرب
فلما استللت السيف أخلب برقهم *** وما كنت - يا برق المنية - تخلب
أخذتهم , لا مالكين لحوضهم *** من الذود إلا ما أطالوا وأسهبوا
وينفذها من كل شعب, فتلتقي *** كما يتلاقى العارض المتشعب
ولم يتكلف قومك الأسد أهبة *** ولكن خلقا في السباع التأهب
ويجعل ميقاتا لها تنبري له *** كما دار يلقى عقرب السير عقرب
كذا الناس : بالأخلاق يبقى صلاحهم *** ويذهب عنهم أمرهم حين يذهب
فظلت عيون الحرب حيرى لما ترى *** نواظر ما تأتي الليوث وتغرب
تبالغ بالرامي, وتزهو بما رمى *** وتعجب بالقواد , والجند أعجب
ومن شرف الأوطان ألا يفوتها *** حسام معز, أو يراع مهذب
أمنا الليالي أن نراع بحادث *** وملهمها فيما تنال وتكسب
وما الملك إلا الجيش شأنا ومظهرا *** ولا الجيش إلا ربه حين ينسب
أندلسية
يا نائح ( الطلح ) أشباه عوادينا *** نشجى لواديك أم نأسى لوادينا ؟
ماذا تقص علينا غير أن يــدا *** قصت جناحك جالت فى حواشينا
رمى بنا البين أيكا غير سامرنا *** أخـا الغريب : وظلا غير نادينا
كل رمته النوى: ريش الفراق لنا *** سهما , وسل عليك البين سكينا
إذا دعا الشوق لم نبرح بمنصدع *** مـن الجناحين عي لا يلبينــا
فإن يك الجنس يابن الطلح فرقنا *** إن المصائب يجمعن المصابينـا
لــم تأل ماءك تحنانا ولا ظلما *** ولا أدكارا , ولا شجوا أفانينــا
تجـر من فنن ساقا إلى فنــن *** وتسحـب الذى ترتاد المؤاسينـا
أساة جسمك شتى حين تطلبـهم *** فمن لروحك بالنطس المداوينـا
آهــا لنا نازحى إيك بأندلـس *** وإن حللنا رفيـفا من روابينــا
رسم وقفنا على رسم الوفاء لـه *** نجيش بالدمع , والإجلال يثنينـا
لفتيـه لا تنـال الأرض أدمعهم *** ولا مفارقــهم إلا مصلينـــا
لـو لـم يسودا بدين فيه منبهة *** للناس كانت لهم أخلاقهم دينــا
لم نسر من حرم إلا إلى حـرم *** كالخمر من (بابل) سارت (لدارينا)
لما نبا الخلد نابت عنه نسختـه *** تماثل الورد (خيريا) و (نسرينـا)
نسقى ثراهم ثناء , كلما نثـرت *** دموعنـا نظمت منها مراثينــا
كادت عيون قوافينا تحركـــه *** وكدن يوقظن فى الترب السلاطينا
لكن مصر وإن أغضت على مقة *** عيـن من الخلد بالكافور تسقينـا
علـى جوانبها رفت تمانمنــا *** وحول حافاتـها قامت رواقينــا
ملاعـب مرحت فيها مآربنـا *** وأربع أنسـت فيها أمانينــــا
ومطلع لسعود من أواخرنــا *** ومغـرب لجدود من أوالينـــا
بنا فلم نخل من روح يراوحنـا *** من بر مصر وريحان يغادينــا
كأم موسى على أسم الله تكفلنا *** وباسمه ذهبت فى اليم تلقينــا
ومصر كالكرم ذى الإحسان فاكهة *** للحاضرين وأكواب لبادينــــا
***
يا سارى البرق يرمى عن جوانحنا *** بعد الهدوء ويهمى عن مآقينــا
لما ترقرق فى دمع السماء دما *** هاج البكا فخضبنا الأرض باكينــا
الليـــل يشهد لم تهتك دياجيه *** على نيـام ولـم تهتف بسالينـــا
والنجـم لم يرنا إلا على قــدم *** قيــام ليل الهوى للعهد راعينــا
كزفرة فى سماء الليل حائــرة *** ممــا نردد فيه حين يضوينــا
بالله إن جبت ظلماء العباب على *** نجانب النور محدوا ( بجــرينا )
تــرد عنك يداه كل عاديــة *** إنسـا يعثن فسادا أو شياطينــا
حتى حوتك سماء النيل عاليـة *** على الغيوث وإن كانت ميامينـا
وأحرزتك شفوف اللازورد على *** وشى الزبرجد من أفواف وادينـا
وحازك الريف أرجاء مؤرجـه *** ربـت خمائل واهتزت بساتينـا
فقف إلى النيل وأهتف فى خمائله *** وأنزل كما نزل الطل الرياحينا
وأس مـابات يذوى من منازلنا *** بالحادثات ويضوى من مغانينـا
ويا معطرة الوادى سرت سحـرا *** فطاب كل طروح من مرامينـا
ذكيـة لذيل لو خلنا غلالتهــا *** قميص يوسف لم نحسب مغالينا
اجشمت شوك السرى حتى أتيت لنا *** بالورد كتبا وبالربا عناوينـــا
فلو جزيناك بالأرواح غاليـة عن *** طيب مسراك لم تنهض جوازينا
هـل من ذويك مسكى نحملــه *** غرائـب الشوق وشيا من أمالينا
إلـى الذى وجدنـا ود غيرهـم *** دنيـا وودهمو الصافى هو الدينا
يا من نغار عليهم من ضمائرنا *** ومن مصون هواهم فى تناجينـا
ناب الحنين إليكم فى خواطرنا *** عن الدلال عليكم فى أمانينــا
جئنا الى الصبر ندعوه كعادتنا *** فى النائبات فلم يأخذ بأيدينــا
وما غلبنا على دمع ولا جـلد *** حتى أتتنا نواكم من صياصينـا
ونابغـى كان الحشر آخـره *** تميتنـا فيه ذكراكم وتحيينــا
نطوى دجاه بجرح من فراقكمو *** يكاد فى غلس الأسحار يطوينا
إذا رسى النجم لم ترفأ محاجرنا *** حتى يزول , ولم تهدأ تراقينـا
بتنا نقاسى الدواهى من كواكبه *** حتى قعدنا بها : حسرى تقاسينا
يبــدو النهار فيخفيه تجلدنـا *** للشامتتين ويأسوه تأسينـــا
سقيا لعهد كأكناف الربى رفـة *** أنا ذهبنا وأعطاف الصبا لينـا
إذا الزمان بنا غيناء زاهيــة *** ترف أوقاتنا فيها رياحينـــا
الوصل صافية , والعيش ناغية *** والسعد حاشية , والدهر ماشينا
والشمس تختال فى العقيان تحسبها *** ( بلقيس ) ترفل فى وشى اليمانينا
والنيل يقبل كالدنيا إذا احتفلـــت *** لو كان فيها وفاء للمصافينـــا
والسعد لو دام , والنعمى لو اطردت *** والسيل لو عف , والمقدار لو دينا
ألقى على الأرض حتى ردها ذهبـا *** ماء لمسنا به الإكسير أو طينــا
أعداه من يمنه ( التابوت ) وارتسمت *** على جوانبه الأنوار من سينــا
لـه مبالغ ما فى الخلق من كــرم *** عهد الكـرام وميثاق الوفيينــا
لـم يجر للدهر اعذار ولا عـرس *** إلا بأيامنــا أو فى ليالينـــا
ولا حوى السعد اطغى فى أعنته *** منا جيادا ولا أرخي ميادينـــا
نحن اليواقيت خاض النار جوهرنا *** ولم يهن بيد التشتيت غالينـــا
ولا يحــول لنا صبغ ولا خلـق *** اذا تلون كالحرباء شانينــــا
لم تنزل الشمس ميزانا ولا صعدت *** فى ملكها الضخ عرشا مثل وادينا
ألم تؤله على حافاتــــه ورأت *** عليـه أبناءها الغر الميامينــا ؟
إن غازلت شاطئيه فى الضحي لبسا *** خمائل السندس الموشية الغينــا
وبات كل مجاج الواد من شجــر *** لوافظ القز بالخيطان ترمينـــا
وهذه الأرض من سهل ومن جبل *** قبل (القياصر) دناها (فراعينــا)
ولم يضع حجرا بان على حجـر *** فى الأرض إلا علي آثار بانينــا
كأن أهرام مصر حائط نهضـت *** به يد الدهر لا بنيان فانينــــا
إيوانه الفخم من عليا مقاصــره *** يفني الملوك ولا يبقي الأوانينـا
كأنها ورمالا حولها التطمـــت *** سفينة غرقت إلا أساطينــــا
كأنها تحت لألأ الضحى ذهبـــا *** كنوز (فرعون) غطين الموازينـا
أرض الأبوة والميلاد طيبهــا *** مر الصبا من ذيول من تصابينـا
كانت محجلة , فيها مواقفنـــا *** غرا مسلسلة المجرى قواقينـــا
فآب من كره الأيام لاعبنـــا *** وثاب من سنة الأحلام لاهينـــا
ولم ندع لليالي صافيا , دعـت *** (بأن نعص فقال الدهر :آمينــا)
لو استطعنا لخضنا الجو صاعقة *** والبر نار وغي ،والبحر غسلينـا
سعيا إلى مصر نقضى حق ذاكرنا *** فيها إذا نسي الوافي وباكينـــا
كنز(بحلوان) عند الله نطلبـــه *** خير الودائع من خير المؤدينــا
لو غاب كل عزيز عنه غيبتنـا *** لم يأته الشوق إلا من نواحينــا
إذا حملنا لمصر أوله شجنــا *** لم ندر أي هوى الأمين شاجينـا
لي جدة ترأف بي
لي جدة ترأف بي *** أحنى علي من أبي
وكل شيء سرني *** تذهب فيه مذهبي
إن غضب الأهل علي *** كلهم لم تغضب
مشى أبي يوما إلي *** مشية المؤدب
غضبان قد هدد بالضر *** ب وإن لم يضرب
فلم أجد لي منه *** غير جدتي من مهرب
فجعلتني خلفها *** أنجو بها, وأختبي
وهي تقول لأبي *** بلهجة المؤنب:
ويح له! ويح لهـ *** ـذا الولد المعذب!
ألم تكن تصنع ما *** يصنع إذ أنت صبي؟
رثاء عمر المختار
ركزوا رفاتك في الرمال لواء *** يستنهض الوادي صباح مساء
يا ويحهم نصبوا منارا من دم *** توحي إلى جيل الغد البغضاء
ما ضر لو جعلوا العلاقة في غد *** بين الشعوب مودة وإخاء
جرح يصيح على المدى وضحية *** تتلمس الحرية الحمراء
يا أيها السيف المجرد بالفلا *** يكسو السيوف على الزمان مضاء
تلك الصحاري غمد كل مهند *** أبلى فأحسن في العدو بلاء
وقبور موتى من شباب أمية *** وكهولهم لم يبرحوا أحياء
لو لاذ بالجوزاء منهم معقل *** دخلوا على أبراجها الجوزاء
فتحوا الشمال سهوله وجباله *** وتوغلوا فاستعمروا الخضراء
وبنوا حضارتهم فطاول ركنها *** دار السلام وجلق الشماء
خيرت فاخترت المبيت على الطوى *** لم تبن جاها أو تلم ثراء
إن البطولة أن تموت من الظما *** ليس البطولة أن تعب الماء
إفريقيا مهد الأسود ولحدها *** ضجت عليك أراجلا ونساء
والمسلمون على اختلاف ديارهم *** لا يملكون مع المصاب عزاء
والجاهلية من وراء قبورهم *** يبكون زيد الخيل والفلحاء
في ذمة الله الكريم وحفظه *** جسد ببرقة وسد الصحراء
لم تبق منه رحى الوقائع أعظما *** تبلى ولم تبق الرماح دماء
كرفات نسر أو بقية ضيغم *** باتا وراء السافيات هباء
بطل البداوة لم يكن يغزو على *** تنك ولم يك يركب الأجواء
لكن أخو خيل حمى صهواتها *** وأدار من أعرافها الهيجاء
لبى قضاء الأرض أمس بمهجة *** لم تخش إلا للسماء قضاء
وافاه مرفوع الجبين كأنه *** سقراط جر إلى القضاة رداء
شيخ تمالك سنه لم ينفجر *** كالطفل من خوف العقاب بكاء
وأخو أمور عاش في سرائها *** فتغيرت فتوقع الضراء
الأسد تزأر في الحديد ولن ترى *** في السجن ضرغاما بكى استخذاء
وأتى الأسير يجر ثقل حديده *** أسد يجرر حية رقطاء
عضت بساقيه القيود فلم ينؤ *** ومشت بهيكله السنون فناء
تسعون لو ركبت مناكب شاهق *** لترجلت هضباته إعياء
خفيت عن القاضي وفات نصيبها *** من رفق جند قادة نبلاء
والسن تعصف كل قلب مهذب *** عرف الجدود وأدرك الآباء
دفعوا إلى الجلاد أغلب ماجدا *** يأسو الجراح ويعتق الأسراء
ويشاطر الأقران ذخر سلاحه *** ويصف حول خوانه الأعداء
وتخيروا الحبل المهين منية *** لليث يلفظ حوله الحوباء
حرموا الممات على الصوارم والقنا *** من كان يعطي الطعنة النجلاء
إني رأيت يد الحضارة أولعت *** بالحق هدما تارة وبناء
شرعت حقوق الناس في أوطانهم *** إلا أباة الضيم والضعفاء
يا أيها الشعب القريب أسامع *** فأصوغ في عمر الشهيد رثاء
أم ألجمت فاك الخطوب وحرمت *** أذنيك حين تخاطب الإصغاء
ذهب الزعيم وأنت باق خالد *** فانقد رجالك واختر الزعماء
وأرح شيوخك من تكاليف الوغى *** واحمل على فتيانك الأعباء
هذي المحاسن ما خلفت لبرقع
ضمي قناعك يا سعاد أو ارفعي *** هذي المحاسن ما خلقن لبرقع
الضاحيات, الباكيات, ودونها *** ستر الجلال , بعد شأو الملطع
يا دمية لا يستزاد جمالها *** زيديه حسن المحسن المتبرع
ماذا على سلطانه من وقفة *** للضارعين, وعطفة للخشع؟
بل ما يضرك لو سمحت بحلوة ؟ *** إن العروس كثيرة المتطلع
ليس الحجاب لمن يعز مناله *** إن الحجاب لهين لم يمنع
أنت التي اتخذ الجمال لعزه *** من مظهر , ولسره من موضع
وهو الصناع , يصوغ كل دقيقة *** وأدق منك بنانه لم تصنع
لمستك راحته , ومسك روحه *** فأتى البديع على مثال المبدع
* * *
الله في الأحبار : من متهالك *** نضو , ومهتوك المسوح مصرع
من كل غاو في طوية راشد *** عاصي الظواهر في سريرة طيع
يتوهجون ويطفأون, كأنهم *** سرج بمعترك الرياح الأربع
علموا , فضاق بهم وشق طريفهم *** والجاهلون على الطريق المهيع
ذهب ابن سينا , لم يفز بك ساعة *** وتولت الحكماء لم تتمتع
هذا مقام , كل عز دونه *** شمس النهار بمثله لم تطمع
فمحمد لك والمسيح ترجلا *** وترجلت شمس النهار ليوشع
ما بال أحمد عي عنك بيانه؟ *** بل ما لعيسى لم يقل أو يدع
ولسان موسى انحل إلا عقدة *** من جانبيك علاجها لم ينجع
* * *
لما حللت بآدم حل الحبا *** ومشى على الملأ السجود الركع
وأرى النبوة في ذراك تكرمت *** في يوسف وتكلمت في المرضع
وسقت قريش على لسان محمد *** بالبابلي من البيان الممتع
ومشت بموسى في الظلام مشردا *** وحدته في قلل الجبال اللمع
حتى إذا طويت ورثت خلالها *** رفع الرحيق وسره لم يرفع
قسمت منازلك الحظوظ فمنزلا *** أترعن منك ومنزلا لم تترع
وخلية بالنحل منك عميرة *** وخلية معمورة بالتبع
وحظيرة قد أودعت غرر الدمى *** وحظيرة محرومة لم تودع
نظر الرئيس إلى كمالك نظرة *** لم تخل من بصر اللبيب الأروع
* * *
فرآه منزلة تعرض دونها *** قصر الحياة وحال وشك المصرع
لولا كمالك في الرئيس ومثله *** لم تحسن الدنيا ولم تترعرع
الله ثبت أرضه بدعائم *** هم حائط الدنيا وركن المجمع
لو أن كل أخي يراع بالغ *** شأو الرئيس وكل صاحب مبضع
* * *
ذهب الكمال سدى وضاع محله *** في العالم المتفاوت المتنوع
يا نفس مثل الشمس أنت أشعة *** في عامر وأشعة في بلقع
فإذا طوى الله النهار تراجعت *** شتى الأشعة فالتقت في المرجع
لما نعيت إلى المنازل غودرت *** دكا ومثلك في المنازل ما نعي
ضجت عليك معالما ومعاهدا *** وبكت فراقك بالدموع الهمع
آذنتها بنوى فقالت ليت لم *** تصل الحبال وليتها لم تقطع
ورداء جثمان لبست مرقم *** بيد الشباب على المشيب مرقع
* * *
كم بنت فيه وكم خفيت كأنه *** ثوب الممثل أو لباس المرفع
أسئمت من ديباجه فنزعته *** والخز أكفان إذا لم ينزع
فزعت وما خفيت عليها غاية *** لكن من يرد القيامة يفزع
ضرعت بأدمعها إليك وما درت *** أن السفينة أقلعت في الأدمع
أنت الوفية لا الذمام لديك مذ *** موم ولا عهد الهوى بمضيع
أزمعت فانهلت دموعك رقة *** ولو استطعت إقامة لم تزمعي
بان الأحبة يوم بينك كلهم *** وذهبت بالماضي وبالمتوقع
انتحار الطلبة
ناشئ في الورد من أيامه
أبا الهول , طال عليك العصر *** والعلم بعض فوائد الأسفار
ظلم الرجال نساءهم وتعسفوا *** بين إشفاق عليكم وحذر؟
فمصاب الملك في شبانه *** اين البيان وصائب الأفكار؟
فيه مجال للكلام, ومذهب *** ليراع باحثة وست الدار
سدد السهم الى صدر الصبا *** ورماه في حواشيه الغرر
بيد لا تعرف الشر , ولا *** صلحت إلا لتلهوبالأكر
بسطت للسم والحبل , وما *** بسطت للكأس يوما والوتر
ل , تزولان في الموعد المنتظر؟
مما رأيت وما علمت مسافرا *** فكك العلم, وأودى بالأسر؟
فيه مجال للكلام , ومذهب *** بيد لا تعرف الشر, ولا
المؤمنون بمصر يهـ *** ولياليه أصيل وسحر
أبا الهول, ماذا وراء البقا *** ء - إذا ما تطاول - غير الضجر؟
إن الحجاب على فروق جنة *** على لبد والنسور الأخر
ـن وبالخليفة من أسير *** خفة في الظل , أو طيب قصر
ة لحقت بصانعك المقتدر
والمسك فياح العبير *** بردي أشعر من جرير
كل يوم خبر عن حدث *** سئم العيش , ومن يسأم يذر
فإن الحياة تفل الحديـ *** ـد إذا لبسته , وتبلي الحجر
الصابرات لضرة ومضرة *** فكفى الشيب مجالا للكدر
عاف بالدنيا بناء بعد ما *** خطب الدنيا , وأهدى , ومهر
من كل ذي سبعين , يكتم شيبه *** والشيب في فوديه ضوء نهار
حل يوم العرس منها نفسه *** رحم الله العروس المختضر
يأبى له في الشيب غير سفاهة *** غفر الله له, ما ضره
أين البيان وصائب الأفكار؟
ضاق بالعيشة ذرعا , فهوى
ذاهبا في مثل آجال الزهر
ما حله عطف , ولا رفق, ولا *** بر بأهل , أو هوى لديار
وقليل من تغاضى أو عذر *** وصبا الدنيا عزيز مختصر
هاربا من ساحة العيش , وما
لا أرى الأيام إلا معركا
مهما غدا أو راح في جولاته *** دفعته خاطبة الى سمسار
وصبي أزرت الدنيا به
كالشمس , إن خطبت فللأقمار
أبا الهول ويحك لا يستقلـ *** فتشت لم أر في الزواج كفاءة
ة , الناهيات على الصدور
ولقد أبلاك عذرا حسنا
أسال البياض وسل السواد *** وأوغل منقاره في الحفر
المال حلل كل غير محلل
سحر القلوب, فرب أم قلبها *** من سحره حجر من الأحجار
قلب صغير الهم والأوطار
ويقول الطب : بل من جنة *** ورأيت العقل في الناس ندر
كأن الرمال على جانبيـ *** بقلادة , أو شادنا بسوار
ورمت بها في غربة وإسار
يخفى , فإن ريع الحمى
ضنوا بضائع حقهم *** ـن حسامه شيخ الذكور
وتعللت بالشرع , قلت: كذبته *** وبنى الملك عليه وعمر
ما زوجت تلك الفتاة , وإنما *** بيع الصبا والحسن بالدينار
لا أرى إلا نظاما فاسدا *** عيل والملك الكبير
قال ناس: صرعة من قدر
ها من ملائكة وحور؟ *** ـد, وعصمة الملك الغرير
فتشت لم أر في الزواج كفاءة *** ككفاءة الأزواج في الأعمار
نزل العيش , فلم ينزل سوى
نقلت من البال الى الدوار
أمسين في رق العبيـ *** وليال ليس فيهن سمر
والدر مؤتلق السنا
وعلى الذوائب وهي مسك خولطت
في بني العلات من ضغن وشر
لك في الكبير وفي الصغير *** أبويهم أو يبارك في الثمر
والخيل, والجم الغفير
نشأ الخير , رويدا , قتلكم *** القابضين على الصليـ
لو عصيتم كاذب اليأس, فما *** في صباها ينحر النفس الضجر
شارف الغمرة منها والغدر *** يا رب تجمعه يد المقدار
ـم, الراويات من السرور
فيم تجنون على آبائكم
وكيف ابتلوا بقليل العديـ *** ـد من الفاتحين كريم النفر؟
وتعقون بلادا لم تزل
فمصاب الملك في شبانه
بشرى الإمام محمد
ـأيام في الزمن الأخير
وربهن بلا نصير *** شب بين العز فيها والخطر
ورفيع لم يسوده أب
يتلو الزمان صحيفة
روحوا القلب بلذات الصذبا *** ة , وحكمة الشيخ الخبير؟
شيخ الملوك وإن تضعـ *** وانشدوا ما ضل منها في السير
وكان من يقق الحبور
مهما غدا أو راح في جولاته
وعمروا يسوق بمصر الصحا *** ب , ويزجي الكتاب , ويحدو السور
لا بالدعي, ولا الفخور *** جعل الورد بإذن والصدر
إنما يسمح بالروح الفتى *** نور تلألأ فوق نور
ئر في المخادع والخدور
تجوس بعين خلال الديا *** نبأ يثير ضمائر الأحرار
المحييات الليل بالأذكار *** ن تحرك ما فيه , حتى الحجر
المشرقان عليك ينتحبان
المشرقان عليك ينتحبان *** قاصيهما في مأتم والداني
يا خادم الإسلام, أجر مجاهد *** في الله من خلد ومن رضوان
لما نعيت إلى الحجاز مشى الأسى *** في الزائرين وروع الحرمان
السكة الكبرى حيال رباهما *** منكوسة الأعلام والقضبان
لم تألها عند الشدائد خدمة *** في الله والمختار والسلطان
يا ليت مكة والمدينة فازتا *** في المحفلين بصوتك الرنان
ليرى الأواخر يوم ذاك ويسمعوا *** ما غاب من قس ومن سحبان
جار التراب وأنت أكرم راحل *** ماذا لقيت من الوجود الفاني؟
أبكي صباك؛ ولا أعاتب من جنى *** هذا عليه كرامة للجاني
يتساءلون: أبـ السلال قضيت, أم *** بالقلب, أم هل مت بالسرطان؟
الله يشهد أن موتك بالحجا *** والجد والإقدام والعرفان
إن كان للأخلاق ركن قائم *** في هذه الدنيا, فأنت الباني
بالله فتش عن فؤادك في الثرى *** هل فيه آمال وفيه أماني؟
وجدانك الحي المقيم على المدى *** ولرب حي ميت الوجدان
الناس جار في الحياة لغاية *** ومضلل يجري بغير عنان
والخلد في الدنيا ـ وليس بهين ـ *** عليا المراتب لم تتح لجبان
فلو أن رسل الله قد جبنوا لما *** ماتوا على دين من الأديان
المجد والشرف الرفيع صحيفة *** جعلت لها الأخلاق كالعنوان
وأحب من طول الحياة بذلة *** قصر يريك تقاصر الأقران
دقات قلب المرء قائلة له: *** إن الحياة دقائق وثواني
فارفع لنفسك بعد موتك ذكرها *** فالذكر للإنسان عمر ثاني
للمرء في الدنيا وجم شؤونها *** ما شاء من ريح ومن خسران
فهي الفضاء لراغب متطلع *** وهي المضيق لمؤثر السلوان
الناس غاد في الشقاء ورائح *** يشقى له الرحماء وهو الهاني
ومنعم لم يلق إلا لذة *** في طيها شجن من الأشجان
فاصبر على نعمى الحياة وبؤسها *** نعمى الحياة وبؤسها سيان
يا طاهر الغدوات, والروحات, والـ *** ـخطرات, والإسرار, والإعلان
هل قام قبلك في المدائن فاتح *** غاز بغير مهند وسنان؟
يدعو إلى العلم الشريف, وعنده *** أن العلوم دعائم العمران؟
لفوك في علم البلاد منكسا *** جزع الهلال على فتى الفتيان
ما احمر من خجل, ولا من ريبة *** لكنما يبكي بدمع قاني
يزجون نعشك في السناء وفي السنا *** فكأنما في نعشك القمران
وكأنه نعش الحسين بكربلا *** يختال بين بكا, وبين حنان
في ذمة الله الكريم وبره *** ما ضم من عرف ومن إحسان
ومشى جلال الموت وهو حقيقة *** وجلالك المصدوق يلتقيان
شقت لمنظرك الجيوب عقائل *** وبكتك بالدمع الهتون غواني
والخلق حولك خاشعون كعهدهم *** إذ ينصتون لخطبة وبيان
يتساءلون: بأي قلب ترتقى *** بعد المنابر, أم بأي لسان؟
لو أن أوطانا تصور هيكلا *** دفنوك بين جوانح الأوطان
أو كان يحمل في الجوارح ميت *** حملوك في الأسماع والأجفان
أو صيغ من غر الفضائل والعلا *** كفن لبست أحاسن الأكفان
أو كان للذكر الحكيم بقية *** لم تأت بعد؛ رثيت في القرآن
ولقد نظرتك والردى بك محدق *** والداء ملء معالم الجثمان
يبغي ويطغى , والطبيب مضلل *** قنط, وساعات الرحيل دواني
ونواظر العواد عنك أمالها *** دمع تعالج كتمه وتعاني
تملي وتكتب والمشاغل جمة *** ويداك في القرطاس ترتجفان
فهششت لي, حتى كأنك عائدي *** وأنا الذي هد السقام كياني
ورأيت كيف تموت آساد الشرى *** وعرفت كيف مصارع الشجعان
ووجدت في ذاك الخيال عزائما *** ما للمنون بدكهن يدان
وجعلت تسألني الرثاء, فهاكه *** من أدمعي وسرائري وجناني
لولا مغالبة الشجون لخاطري *** لنظمت فيك يتيمة الأزمان
وأنا الذي أرثي الشموس إذا هوت *** فتعود سيرتها إلى الدوران
قد كنت تهتف في الورى بقصائدي *** وتجل فوق النيرات مكاني
ماذا دهاني يوم بنت فعقني *** فيك القريض, وخانني إمكاني؟
هون عليك, فلا شمات بميت *** إن المنية غاية الإنسان
من للحسود بميتة بلغتها *** عزت على كسرى أنوشروان؟
عوفيت من حرب الحياة وحربها *** فهل استرحت أم استراح الشاني؟
يا صب مصر, ويا شهيد غرامها *** هذا ثرى مصر, فنم بأمان
اخلع على مصر شبابك عاليا *** وکلبس شباب الحور والولدان
فلعل مصرا من شبابك ترتدي *** مجدا تتيه به على البلدان
فلو أن بالهرمين من عزماته *** بعض المضاء تحرك الهرمان
علمت شبان المدائن والقرى *** كيف الحياة تكون في الشبان
مصر الأسيفة ريفها وصعيدها *** قبر أبر على عظامك حاني
أقسمت أنك في التراب طهارة *** ملك يهاب سؤاله الملكان
سينية
اختلاف النهار والليل ينسي *** اذكرا لي الصبا وأيام أنسي
وصفا لي ملاوة من شباب *** صورت من تصورات ومس
عصفت كالصبا اللعوب ومرت *** سنة حـلوة ولذة خلس
* * *
وسلا مصر: هل سلا القلب عنها *** أو أسا جرحه الزمان المؤسي
كلما مرت الـليالـي عليه *** رق, والعهد فـي الليالي تقسي
مستطار إذا البواخر رنت *** أول الليل, أو عوت بعد جرس
راهب في الضلوع للسفن فطن *** كلما ثرن شاعهن بنقس
يا ابنة اليم, ما أبـوك بـخيل *** ماله مولعا بمنع وحبس
أحرام على بلابـله الدوح *** حلال للطير من كل جنس؟
كل دار أحق بالأهل إلا *** في خبيث من المذاهب رجس
نفسي مرجل, وقلبي شراع *** بهما في الدموع سيري وأرسي
واجعلي وجهك (الفنار) ومجراك *** يـد (الثغر) بـين (رمل) و(مكس)
* * *
وطـني لو شغلت بالخلد عنه *** نازعتني إليه في الخلد نفسي
وهـفا بالفؤاد في سلسبيل *** ظمأ للسواد مـن (عين شمس)
شهد الله لم يغب عن جـفوني *** شخصه ساعة ولم يخل حسي
يا فؤادي لكل أمر قرار *** فيه يبدو وينجلي بعد لبس
عقلت لجة الأمور عقولا *** طالت الحوت طول سبح وغس
غرقت حيث لا يصاح بطاف *** أو غريق, ولا يصاخ لحس
فلـك يكسف الشموس نـهـارا *** ويسوم البدور ليلة وكس
ومواقيت للأمور إذا ما *** بلغتها الأمور صارت لعكس
دول كالرجال مرتهنـات *** بقيام من الجدود وتعس
وليال من كل ذات سوار *** لطمت كل رب (روم) و(فرس)
سددت بالهلال قوسا وسلت *** خنجرا ينفذان من كل ترس
حكمت في القرون (خوفو) و(دارا) *** وعفت (وائلا) وألوت (بعبس)
* * *
أين (مروان) في المشارق عرش *** أموي وفي الـمغارب كرسي؟
سقمت شمسهم فرد عليها *** نورها كل ثاقب الرأي نطس
ثم غابت وكل شمس سوى هاتيك *** تبلى, وتنطوي تحت رمس
وعظ (البحتري) إيـوان (كسرى) *** شفتني القصور من (عبد شمس)
رب ليل سريت والبرق طرفي *** وبساط طويت والريح عنسي
أنظم الشرق في (الجزيرة) بالغرب *** وأطوي البلاد حزنـا لدهس
في ديار من الخلائف درس *** ومـنار من الطوائف طمس
وربى كالجنان في كنف الزيتون *** خضر, وفي ذرا الكرم طلس
لم يرعـني سوى ثرى قرطبي *** لمست فيه عبرة الدهر خمسي
يا وقى الله ما أصبح منه *** وسقى صفوت الحيا ما أمسي
قرية لا تعد في الأرض كنت *** تمسك الأرض أن تميد وترسي
غشيت ساحل المحيط وغطت *** لجة الروم من شراع وقلس
* * *
ركب الدهر خاطري في ثراها *** فأتى ذلك الحمى بــعد حدس
فتجلت لي القصور ومن فيها *** من العز في منازل قعس
سنة من كرى وطيف أمـان *** وصحا القلب مـن ضلال وهجس
وإذا الدار ما بها من أنيس *** وإذا القوم ما لهم من محس
ورقيق من البيوت عتيق *** جاوز الألف غير مذموم حرس
أثر من (محمد) وتراث *** صار (للروح) ذي الولاء الأمس
بلغ النجم ذروة وتناهى *** بين (ثهلان) في الأساس و(قدس)
مرمر تسبح النواظر فيه *** ويطول المدى عليها فترسي
وسوار كأنها في استواء *** ألفات الوزير في عرض طرس
فترة الدهر قد كست سطريها *** ما اكتسى الهدب من فتور ونعس
* * *
ويحها! كم تزينت لعليم *** واحد الدهر واستعدت لخمس
وكأن الرفيف في مسرح العين *** ملاء مدنرات الدمقس
ومكان الكتاب يغريك ريا *** ورده غائبا فتدنو للمس
صنعة (الداخل) المبارك في *** الغرب وآل له ميامين شمس
من (لحمراء) جللت بغبار *** الدهر كالجرح بين بـرء ونكس
كسنا البرق لو محا الضوء لحظا *** لمحتها العيون من طول قبس
حصن (غرناطة) ودار بني الأحمر *** من غافل ويقظان ندس
جلل الثلج دونها رأس (شيرى) *** فبدا منه في عـصائب برس
سرمد شيبه, ولم أر شيئا *** قبله يـرجى البقاء وينسي
مشت الحادثات في غرف (الحمراء) *** مشي النعي في دار عرس
هتكت عزة الحجاب وفضت *** سدة الباب من سمير وأنسي
عرصات تخلت الخيل عنها *** واستراحت من احتراس وعس
ومغان على الليالي وضاء *** لم تجد للعشي تكرار مس
* * *
لا ترى غير وافدين على التاريخ *** ساعين في خشوع ونكس
نقلوا الطـرف في نضارة آس *** من نقوش, وفي عصارة ورس
وقباب من لازورد وتبر *** كالربى الشم بين ظل وشمس
وخطوط تكفلت للمعاني *** ولألفاظها بأزيـن لبس
وترى مجلس السباع خلاء *** مقفر القاع من ظباء وخنس
لا (الثريا) ولا جواري الثريا *** يتنزلن فيه أقمار إنس
مرمر قامت الأسود عليه *** كلة الظفر لينات المجس
تنثر الماء في الحياض جمانا *** يـتنزى على ترائب ملس
آخر العهد بالجزيرة كانت *** بعد عرك من الزمان وضرس
فتراها تقول: راية جيش *** باد بالأمس بـين أسر وحـس
ومفاتيحها مقاليد ملك *** باعها الوارث المضـيع ببخس
خرج القوم في كتائب صم *** عن حفاظ كموكب الدفن خرس
ركبوا بالبحار نعشا وكانت *** تحت آبائهم هي العرش أمس
رب بان لهادم, وجموع *** لمشت ومحسن لمخس
إمرة الناس همة لا تأنى *** لجبــان ولا تسنى لجبس
* * *
يا ديارا نزلت كالخلد ظلا *** وجـنى دانيا وسلسال أنس
محسنات الفصول لا نـاجر فيها *** بقيظ ولا جمادى بـقرس
لا تحش العيون فوق ربــاها *** غير حور حو المراشف لعس
كسيت أفرخي بظلك ريشا *** وربا في رباك واشتد غرسي
هم بنو مصر لا الجميل لديهم *** بمضاع ولا الصنيع بمنسي
من لسان على ثنائك وقف *** وجنان على ولائك حبس
حسبهم هذه الطلول عظات *** من جديد على الدهور ودرس
وإذا فاتك التفات إلى الماضي *** فقد غاب عنك وجه التأسي